أثار الخروج الإعلامي الأخير لوليد الركراكي، مدرب المنتخب الوطني المغربي، موجة كبيرة من الغضب في صفوف المغاربة، حتى شبه متتبعون كلامه بـ "آكل الحجر والحصى".
فعقب اندحار "منتخب الأسود" أمام منتخب جنوب إفريقيا وخروجه المبكر في «ثمن النهائي» من التنافس على اللقب الإفريقي بالكوت ديفوار في بطولة «الكان»، اختار الناخب الوطني أن يفسر، على قناة «الرياضية»، أسباب الإقصاء بالطريقة الأسوأ، ملقيا باللائمة على أحوال الطقس، والحال أن المنتخبات المتنافسة كلها كانت «تعرق وتنشف» في المناخ نفسه، كما أن لاعبين يملكون رئة واحدة وقدمين، وحوافز قوية للانتصار، وهزم الخصم، وتشريف راية بلدانهم. كل المنتخبات كانوا سواسية إلا منتخب الأسود الذي كان ربما على مسؤولي الجامعة المغربية، وعلى رأسهم لقجع، أن يجهزوا لاعبيه بالمراوح الكهربائية المحمولة وقناني المياه المثلجة، ولم لا الأحذية الطائرة، ليحققوا الفوز الذي كانت تنتظره منهم الجماهير.
لقد كان على وليد الركراكي، الذي وضعت تحت تصرفه إمكانات مادية ولوجيستيكية غير مسبوقة، ولاعبين دوليين مشهود لهم بالمهارة والخبرة والمردود العالي مع فرقهم، أن لا يطوي على زنده الأسباب الحقيقية للفشل، وأن يتحلى بالشجاعة الكافية لتبديد كل الغيوم التي جعلته يستطيب الإقامة في «لحظة المونديال القطري»، وأن يعترف بكل وضوح، وأمام الملأ، بأن اختياراته التكتيكية لم تكن في مستوى «المونديال الإفريقي». عليه أن يمسك المرآة بيديه، وأن يقول لنفسه «لقد فشلت إفريقيا»، بدل أن يتحول في نظر ملايين المغاربة المحبطين مجرد جرذ في العتبة، يكيلون له الشتائم والنعال!
اتكأ الركراكي على تبريرات متناقضة وغير منطقية لشرح أسباب الإقصاء، ومنها الطقس، كما قلنا آنفا. ونسي أنه بهذا التبرير الفج قد اتكأ على ريشة، خاصة إذا كان يعلم علم اليقين أن لاعبيه حلوا بمدينة سان بيدرو الإيفوارية مبكرا من أجل التأقلم مع الأجواء.
ثانيا: رغم الهزيمة بحصة لا تقبل الجدل (0/2)، ادعى الركراكي أن الأسود قدموا مردودا جيدا أمام جنوب أفريقيا وكانوا الطرف الأفضل. فهل معنى ذلك أن «الحظ» هو الذي هزمهم؟ وهل معنى ذلك أن منتخب جنوب إفريقيا سرق الانتصار، أو سلط «سحرا أسود» على اللاعبين المغاربة؟ هل يمكن الاقتناع بهذا الكلام، علما بأن مدرب أسود الأطلس سقط في فخ التناقض عندما تحدث عقب نهاية المباراة عن ضعف الخط الدفاعي وغياب الفعالية عن الخط الهجومي؟ هل سقطت منه ذاكرته أم يظن أن ليس للمغاربة ذاكرة يقظة بوسعها كشف التناقضات السيئة والتبريرات الخاطئة؟
من حق الركراكي أن يتضامن مع لاعبيه، وأن يعتبرهم عائلته، وأن يدفع بعدم مسؤوليتهم عن الاندحار، خاصة أن سقف التوقع كان عاليا. لكن ليس من حقه أن يترافع بـ «اللامنطق»، وأن يحتقر ذكاء 40 مليون مغربي.
لقد انتبه العديد من المتتبعين، حتى قبل المحطة الإفريقية، إلى أن الركراكي يقود المنتخب المغربي، في صيغته الحالية «رغم تعدد نجومه ومستوى لاعبيه»، إلى الفشل، وذلك بسبب اختياراته التكتيكية المحدودة ومجاملته لبعض اللاعبين على حساب آخرين وإقامته المفرطة في «إنجاز المونديال»، وأشاروا إلى أن المنتخب المغربي أصبح كتابا مفتوحا أمام خصومه. غير أن الركراكي راهن على «الحصان الخاسر» بتبخيس قيمة خصومه الأفارقة في الملعب، والتعويل على جهود اللاعبين المحترفين، بدل تنويع الخطط في المباراة الواحدة، وتلغيم الأساليب بتغيير المراكز وميكانيزمات اللعب لخلخلة الخصم وخلط أوراقه. ذلك أن الكرة الحديثة تقوم أساسا على تنويع التكتيكات وإرباك الحسابات وإفشال التوقعات. وهو بذلك كأنه يقول للاعبين «اذهبوا أنتم وربكم وقاتلوا»!
لم تكن الجماهير المغربية تنتظر اختفاء الركراكي وراء الشيء وضده، وأن المغرب كان جيدا، لكنه لم يفز. كان يكفيه أن يتحمل مسؤولية الفشل بشجاعة القادة، وأن يعترف بأنه ارتكب أخطاء حاسمة، منها السماح للخصم بقراءة «اللعب المغربي» بكل سهولة، وعدم القدرة على قراءة الخصوم، بل استصغارهم.
ومهما يكن، ينبغي على مدرب الأسود، حسب أغلب المراقبين والمهتمين الذين تابعوا «خرجته» الإعلامية غير الموفقة، أن يتحلى بالعقلانية وأن يتوقف عن الإنصات إلى نفسه، بل عليه أكثر من ذلك أن يغادر سيكولوجيا لحظة مونديال قطر، عوض انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام، وعدم الاعتراف علانية بالأخطاء التي ارتكبها، خاصةً بعدما قال إن الأرقام والإحصائيات كانت لصالح منتخب المغرب في المواجهة التي خسرها أمام جنوب أفريقيا.
لا نحتاج إلى أرقام وإحصائيات لندرك أن المغرب انهزم، ولن نحتاج إلى أي دليل مادي لنعلم بأن المغرب أقصي بكل لاعبيه، وبالإمكانات الكبيرة التي وضعت رهن إشارته.
لقد سبق لوليد الركراكي أن قال بعد مباراة الإقصاء: «أتحمل كامل المسؤولية وأطالب الجمهور المغربي بأن يسامحنا كثيرًا على هذا الإقصاء، وسنعمل على تعويض ذلك في المباريات القادمة، الجميع كان متأثرًا.. من لاعبين وطاقم فني وإداري، ولا أحد منا تقبل الخروج المبكر».
هذا هو المنطق الذي كان ينبغي أن يؤطر كلامه في الخرجة الإعلامية، أما أن يحاول الالتفاف على الموضوع بهذه الطريقة المراوغة، فهو ما لا يقبله المغاربة، خاصة أننا مقبلون على استحقاقات كروية جد مهمة، وعلى رأسها كأس الأمم الإفريقية (2025)، وكأس العالم الذي سيحتضنه المغرب رفقة إسبانيا والبرتغال (2030).
أمام الناخب الوطني فرصة لتدارك الأخطاء الفادحة، شريطة أن يضع قدمه على الأرض مجددا، وأن ينخرط دون هوادة في تعميق الدراسة لتطوير خططه التكتيكية والفنية، فضلا عن الاعتماد على اللاعبين المغاربة ذوي الكفاءة والروح القتالية العالية، خارج منطق «العائلة» و«الصحبة»، لأن كل اللاعبين الذين أثبتوا جدارتهم وجاهزيتهم من حقهم اللعب للمنتخب الأول.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"