1-
منذ تشكلت الدولة في المغرب، كان الوعي بأن العمق الحيوي لبلادنا هو في جذره الإفريقي. ومن ثم لم يكن مثيرا أن الامتدادات التي عرفتها بلادنا، في أقصى حالات توسعها، كانت تسير باتجاه الجنوب من جهتي الغرب والشرق. ومن ثم كذلك كان النشوء الأول للامبراطورية المغربية الممتدة من المغرب الأقصى إلى نهر السنغال.
منذ تشكلت الدولة في المغرب، كان الوعي بأن العمق الحيوي لبلادنا هو في جذره الإفريقي. ومن ثم لم يكن مثيرا أن الامتدادات التي عرفتها بلادنا، في أقصى حالات توسعها، كانت تسير باتجاه الجنوب من جهتي الغرب والشرق. ومن ثم كذلك كان النشوء الأول للامبراطورية المغربية الممتدة من المغرب الأقصى إلى نهر السنغال.
بعد ذلك حدثت التفاعلات التاريخية والجغرافية بموازاة المد الاستعماري لتجعلنا كما نحن على خريطة العالم اليوم. لكن ذلك لم يمنع من أن يظل المغرب متشبثا بالجذر الأصلي ومنفتحا، في نفس الوقت، على هواء العالم شمالا وشرقا وغربا.
التشبث والانفتاح هما إحدى غايات وروافد عدد اليوم من "الوطن الآن" حيث نحتفي بالذكرى الستين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية من زاوية أثرها في توجيه عمل منظومتنا القارية، وإرساء مكانتها على الصعيد الدولي، وكذلك من زاوية إسهام المغرب في هذا البناء باعتباره أحد مؤسسي هذا الصرح القاري، وأحد رعاة مبادىء التأسيس، وأهدافه الخاصة باستكمال مسلسل الانعتاق من الزمن الاستعماري، وبتطوير نماء القارة اقتصاديا واجتماعيا، وحماية سيادتها... ودعم مسار عدم الانحياز ضدا على فكرة تقسيم العالم إلى قطبين أفرزتهما الحرب العالمية الثانية.
2-
لكن قبل ذلك التأسيس شهدت القارة، منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، مخاضا واعدا كان المرحلة الممهدة لإنشاء المنظمة. ولقد كان المغرب، الخارج لحظتها من زمن الاستعمار، مساهما في المخاض بقوة الفعل والاقتراح أسوة بنظرائه الأفارقة الذين كان عليهم أن يصوغوا كلمة إفريقية موحدة لزعماء إفريقيا. وفي ذلك المنعطف التاريخي الحاسم، تم عقد مؤتمر في العاصمة الغانية في أبريل من سنة 1958 كإحدى الصيغ الأولى لتوحيد كلمة الأفارقة. بعدها بادر الملك الراحل محمد الخامس بدعوة هؤلاء الزعماء إلى حضور "مؤتمر أقطاب إفريقيا" بمدينة الدار البيضاء في يناير من سنة 1960. ولقد تم الاجتماع فعلا بحضور جمال عبد الناصر «مصر» وموديبو كيتا «مالي» وأحمد سيكوتوري «غينيا» وهيلا سيلاسي «إثيوبيا» وعبد القادر العلام وزير خارجية ليبيا، ثم فرحات عباس ممثلا للحكومة الجزائرية المؤقتة... مثلما تم الاتفاق على تعزيز هذه المساعي التي آلت، في 23 ماي 1963، إلى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية التي صار فيها المغرب عضوا مؤسسا وفاعلا. ومن ثم صار البعد الإفريقي معطى بنيويا في علاقة المغرب مع الجوار الإفريقي، ومع المنتظم الدولي بشكل عام. وذلك تفاعلا مع الاعتبارات التي يوفرها الوضع الجيو ستراتيجي، وتجاوبا مع كل ما تؤكده ثوابت روحية وثقافية وإنسانية مشتركة بين بلدان الجهات الأربع للقارة لعل في مقدمتها وعي الملوك المغاربة بأن الجذور هي دائما الأجنحة التي يمكن أن نحلق بها بعيدا.
لكن قبل ذلك التأسيس شهدت القارة، منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، مخاضا واعدا كان المرحلة الممهدة لإنشاء المنظمة. ولقد كان المغرب، الخارج لحظتها من زمن الاستعمار، مساهما في المخاض بقوة الفعل والاقتراح أسوة بنظرائه الأفارقة الذين كان عليهم أن يصوغوا كلمة إفريقية موحدة لزعماء إفريقيا. وفي ذلك المنعطف التاريخي الحاسم، تم عقد مؤتمر في العاصمة الغانية في أبريل من سنة 1958 كإحدى الصيغ الأولى لتوحيد كلمة الأفارقة. بعدها بادر الملك الراحل محمد الخامس بدعوة هؤلاء الزعماء إلى حضور "مؤتمر أقطاب إفريقيا" بمدينة الدار البيضاء في يناير من سنة 1960. ولقد تم الاجتماع فعلا بحضور جمال عبد الناصر «مصر» وموديبو كيتا «مالي» وأحمد سيكوتوري «غينيا» وهيلا سيلاسي «إثيوبيا» وعبد القادر العلام وزير خارجية ليبيا، ثم فرحات عباس ممثلا للحكومة الجزائرية المؤقتة... مثلما تم الاتفاق على تعزيز هذه المساعي التي آلت، في 23 ماي 1963، إلى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية التي صار فيها المغرب عضوا مؤسسا وفاعلا. ومن ثم صار البعد الإفريقي معطى بنيويا في علاقة المغرب مع الجوار الإفريقي، ومع المنتظم الدولي بشكل عام. وذلك تفاعلا مع الاعتبارات التي يوفرها الوضع الجيو ستراتيجي، وتجاوبا مع كل ما تؤكده ثوابت روحية وثقافية وإنسانية مشتركة بين بلدان الجهات الأربع للقارة لعل في مقدمتها وعي الملوك المغاربة بأن الجذور هي دائما الأجنحة التي يمكن أن نحلق بها بعيدا.
3-
وبالتركيز على العقدين الأخيرين، وبالضبط منذ تولي الملك محمد السادس عرش المغرب، نشير إلى أن مياها وعواصف كثيرة جرت فوق جسور إفريقيا وتحت سمائها.
تغيرت الرهانات المحلية والإقليمية والدولية. وانكسر الحلم الإفريقي بعد السيادة من جديد لأنظمة الفرقة والتمزق الاثني والسياسي دون أن ينكسر الحلم المغربي بأن يرى إفريقيا ناهضة بوعي أن هذا النهوض القاري هو نهوض مغربي بامتياز.
ولقد كان هذا الدرس هو الخطوة التي اعتمدها محمد السادس منذ توليه الحكم في يوليوز 1999، وذلك ضمن رؤية استراتيجية لا تجعل الطموح الإفريقي متعارضا بالضرورة مع الطموح في أن يلعب المغرب دور الريادة في جر إفريقيا لتكون قوية في المنتظم الدولي.
وبالتركيز على العقدين الأخيرين، وبالضبط منذ تولي الملك محمد السادس عرش المغرب، نشير إلى أن مياها وعواصف كثيرة جرت فوق جسور إفريقيا وتحت سمائها.
تغيرت الرهانات المحلية والإقليمية والدولية. وانكسر الحلم الإفريقي بعد السيادة من جديد لأنظمة الفرقة والتمزق الاثني والسياسي دون أن ينكسر الحلم المغربي بأن يرى إفريقيا ناهضة بوعي أن هذا النهوض القاري هو نهوض مغربي بامتياز.
ولقد كان هذا الدرس هو الخطوة التي اعتمدها محمد السادس منذ توليه الحكم في يوليوز 1999، وذلك ضمن رؤية استراتيجية لا تجعل الطموح الإفريقي متعارضا بالضرورة مع الطموح في أن يلعب المغرب دور الريادة في جر إفريقيا لتكون قوية في المنتظم الدولي.
هنا برزت عناصر الرؤية الاستراتيجية لمحمد السادس مؤلفة من عدد من العناصر والتوجهات والاختيارات المتقاطعة:
ـ من ذلك تثبيت العمق الإفريقي من خلال تعميق الروابط الروحية والثقافية مع دول إفريقيا، خاصة تلك التي تتقاسم معها المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي، بحيث توسع تأثير إمارة المؤمنين، وتطور اشتغال الزوايا الدينية خاصة الزاويتين القادرية والتيجانية. وصار المغرب نتيجة ذلك المرجع الروحي لعدد من دول إفريقيا، والقبلة التي يتوجه نحوها العلماء والأئمة والمرشدون دون أن يمنع ذلك من توسيع هذا الامتداد نحو دول إفريقية أخرى نختلف معها مذهبيا، ونلتقي معها حول الأبعاد الروحية التي تضمنها باقي الديانات الأخرى. ولقد تعزز هذا التوجه العام بإحداث عدد من الآليات والمؤسسات التي من شأنها تعميق علاقاتنا مع إفريقيا ثقافيا وروحيا من قبيل إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات بالرباط...
ـ من ذلك تثبيت العمق الإفريقي من خلال تعميق الروابط الروحية والثقافية مع دول إفريقيا، خاصة تلك التي تتقاسم معها المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي، بحيث توسع تأثير إمارة المؤمنين، وتطور اشتغال الزوايا الدينية خاصة الزاويتين القادرية والتيجانية. وصار المغرب نتيجة ذلك المرجع الروحي لعدد من دول إفريقيا، والقبلة التي يتوجه نحوها العلماء والأئمة والمرشدون دون أن يمنع ذلك من توسيع هذا الامتداد نحو دول إفريقية أخرى نختلف معها مذهبيا، ونلتقي معها حول الأبعاد الروحية التي تضمنها باقي الديانات الأخرى. ولقد تعزز هذا التوجه العام بإحداث عدد من الآليات والمؤسسات التي من شأنها تعميق علاقاتنا مع إفريقيا ثقافيا وروحيا من قبيل إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات بالرباط...
ـ الفكرة الثانية تروح تعضيد كل آليات التنمية الاقتصادية. نذكر بهذا الخصوص شروع محمد السادس، منذ توليه العرش، في القيام بزيارات عديدة لبلدان إفريقيا نتجت عنها إقامة مجموعة من الشراكات التي تهدف، بصيغة تفاعلية، لتنمية محيطنا الاقتصادي الإفريقي. كما تم عقد عدد من الاتفاقيات بقصد حماية الاستثمار ومعالجة الديون المترتبة على عدد من دول إفريقيا، وابتكار أساليب وبرامج لدعم التنمية البشرية... تجاوزت 1000 اتفاقية.
من هنا جاءت فكرة تحفيز أطرنا الاقتصادية ومشاريعنا الاستثمارية للخوض في بناء إفريقيا على القاعدة المشروعة «رابح رابح»، وذلك في كل القطاعات الحيوية مثل الأبناك والتأمينات والنقل الجوي، وما يهم دعم التكوين وتوفير الكهرباء والماء والاتصالات وتطوير القطاع الفلاحي. ولأن مثل هذه القاعدة كانت لابد أن تستفز أعداء إفريقيا فلقد استنفرت فرنسا، المتضررة من مثل هذا التوجه الساعي تدريجيا إلى تعميق السيادة الإفريقية، إلى التضييق على تحرك المغرب إفريقيا، وإلى افتعال الأزمات لثنيه عن تلك المساعي.
ثم جاءت الفكرة المغربية الثالثة متمثلة في تشكيل قطب إفريقي يقوده المغرب من أجل مناهضة الإرهاب، ومحاربة الهجرة غير الشرعية، وشبكات التهريب والاتجار في البشر. ولقد اضطلع المغرب، بهذا الخصوص، بدور ريادي بتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص مع الجار الشمالي بحيث تتواصل الاجتماعات بين الطرفين. ولقد كان آخرها اجتماع المجموعة المشتركة الدائمة المغربية الإسبانية حول موضوع الهجرة يوم الجمعة 6 ماي من سنة 2022 وذلك في إطار تنفيذ خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها خلال زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، إلى بلادنا في أبريل 2022. ونذكر مدى صدقية وفعالية كل المجهودات التي قامت بها بلادنا من أجل أن تتحمل أن تكون مكان إقامة لا مكان عبور، وذلك بغرض تسوية أوضاع آلاف المهاجرين السريين الأفارقة، وضمان حسن استقبال ومعاملة الوافدين من جنوب القارة، سواء كانوا لاجئين أو ضحايا الحروب، أو عموم الراغبين في حياة أخرى، مع ما يكلفه ذلك من مسؤوليات وتبعات مادية واجتماعية يضطلع بها وفق مقاربة لهذا الملف ذات مستويات إنسانية واجتماعية
بموازاة ذلك، ظل المغرب دائما رافدا من روافد حماية السلام، والدفاع عن فكرة أن نماء إفريقيا لا يمكن أن يتحقق سوى بفكرة أن تكون قارتنا مكانا للتصالحات وتسوية النزاعات، وللتمثل الحقيقي لقيم التسامح ولإمكانيات العيش المشترك. وفي هذا الإطار كان المغرب فاعلا أساسيا في كل قوات حفظ السلام التي أسستها منظمة الأمم المتحدة أو المنتظم الإفريقي، سواء في الكونغو أو في غيرها من الدول كما في جمهورية إفريقيا الوسطى والصومال والكونغو الديموقراطية والكوت ديفوار... ولقد تميز ذلك الحضور بنجاعة تدخلنا في مناطق الصراع، وتضحيات الجنود المغاربة على كل تلك الجبهات.
هذه هي إفريقيا في العقل المغربي الراهن، قارة نامية بطموح إنساني، وبنهوض اقتصادي، وبفكر استراتيجي يقوده الملك محمد السادس بوعي أن نهضة إفريقيا هي نهضة المغرب، لكن كذلك هي الإسهام في كل مبادرات السلم والسلام في العالم.
هذه هي إفريقيا في العقل المغربي الراهن، قارة نامية بطموح إنساني، وبنهوض اقتصادي، وبفكر استراتيجي يقوده الملك محمد السادس بوعي أن نهضة إفريقيا هي نهضة المغرب، لكن كذلك هي الإسهام في كل مبادرات السلم والسلام في العالم.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"