mardi 8 avril 2025
مجتمع

العميد البحيري يقدم قراءة في الموقف المغربي من عقوبة الاعدام بين الإبقاء والإلغاء

العميد البحيري يقدم قراءة في الموقف المغربي من عقوبة الاعدام بين الإبقاء والإلغاء العميد يوسف البحيري
قامت الحكومة المغربية بتاريخ  17 دجنبر 2024 بالتصويت على قرار في غاية من الأهمية داخل اللجنة الثالثة للأمم المتحدة، يهم وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، وهو ما أعاد النقاش القانوني حول عقوبة الإعدام بين الابقاء والالغاء داخل الأوساط القضائية والمجالس العلمية والحركة الحقوقية، خصوصا وأن المغرب اعتاد على الامتناع عن التصويت بشأن عقوبة الإعدام داخل اللجنة الثالثة للأمم المتحدة، ولهذه الغاية استضاف موقع " أنفاس بريس" الفقيه القانوني والعميد يوسف البحيري، لتقديم قراءة قانونية في هذا الموضوع، وتجب الاشارة أنه أصدر كتابا يحمل عنوان: "حقوق الانسان والحريات العامة بين الكونية والخصوصية " عام 2020 عن المطبعة الوطنية بمراكش، حيث يجمع العديد من الباحثين والمهتمين، على اعتباره مرجعا قانونيا هاما حول الغاء عقوبة الإعدام بين المعايير الدولية والتشريع الجنائي المغربي.


ماهي قراءتكم لوضعية المغرب بين الإبقاء على عقوبة الاعدام في التشريع الجنائي ووقف تنفيذها؟
يلاحظ بأن المشرع المغربي مازال يحافظ على عقوبة الإعدام، إلا أنه وسع من نطاق الظروف المخفضة والأعذار القانونية إلى درجة أدخلت الكثير من المرونة على سياسة العقاب بوجه عام، وعلى عقوبة الإعدام بوجه خاص، بحيث أن الحكم بعقوبة الاعدام موكول في غالب الحالات إلى السلطة التقديرية للقضاة، وهو ما يفسر العدد المنخفض لحالات الحكم بالإعدام، ثم يضاف إلى ذلك التنفيذ المحدود للأحكام الصادرة بهذا الشأن ومفعول نظام العفو الذي يمارسه جلالة الملك وفق الوثيقة الدستورية.

لذلك فالمغرب ينهج سياسة الحل الوسط وهو حل يقوم على الحد من العقوبة عوض إلغائها كليا، حيث أنه خلال الفترة المتراوحة بين 1982 و2024، لم ينفذ سوى حكمين، أولهما كان سنة 1982 وآخرهما كان سنة 1993 في قضية "ثابت"، و الإحصائيات تؤكد أنه عدد المحكوم عليهم بالإعدام محدود جدا.

ومن هذا المنطلق، فالسؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة لحالة المغرب ما هو السبب في الإبقاء على عقوبة الإعدام في التشريع الجنائي بالرغم من عدم تنفيذها لمدة ثلاثة عقود من الزمن، منذ 1993 حيث نفذت عقوبة الإعدام في حق محمد ثابت.

ومن جانب ثان اعتبر المشرع المغربي من خلال منظومته الجنائية عقوبة الإعدام عقوبة جنائية أصلية، بل ووضعها من حيث سلم التراتبية في أعلى الهرم. وبالرغم من هذا التصنيف، فقد حاول التلطيف من الأمر بأن أعطى للمحكمة صلاحية تمتيع المتهم بظروف التخفيف وتطبيق عقوبة السجن المؤبد أو السجن المحدد من عشرين إلى ثلاثين سنة ما لم يوجد نص قانوني مانع، إذا ما تبين لها أن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة من طرف المتهم أو بالنسبة لدرجة خطورة الجريمة.


ماهي مكانة عقوبة الإعدام في قانون العقوبات في التشريع الجنائي المغربي؟
أتاح المشرع المغربي إمكانيات تشريعية تبيح للمحكمة تعويض عقوبة الإعدام أو تحويلها أو تخفيضها أو استبدالها حسب الأحوال، كما هو الشأن بالنسبة لاستبدال عقوبة الإعدام بعقوبة تتراوح بين عشرة سنوات أو خمسة عشرة سنة سجنا بالنسبة للأفعال المنسوبة للأحداث.

إن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في التشريع المغربي، موزعة بين تلك المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي والتي ضمت الحيز الأكبر من هذه الجرائم، ويمكن حصرها في الجرائم الإرهابية والجرائم الماسة بالحق في الحياة بالسلامة البدنية للأشخاص، واستعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية والإحراق والتخريب، إضافة إلى الجنايات والجنح ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي والجنايات التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام ... إلخ.

أما المجموعة الثانية فتهم تلك المنصوص عليها في قانون زجر الجرائم الماسة بصحة الأمة، والتي هي بالأساس أفعال القيام بقصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معدة للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو توزيعها أو عرضها للبيع أو بيعها. ثم أخيرا مجموعة الجرائم المنصوص عليها في قانون العدل العسكري بالنسبة للجرائم العسكرية.

بالرغم من أن التشريع الجنائي المغربي ما يزال محتفظا بعقوبة الإعدام، فهو ينهج قضائيا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما أن العفو الملكي يلعب دورا هاما في إعادة التوازن للسياسة العقابية. غير أن الظرفية الراهنة المرتبطة بتنامي ظاهرة الارهاب الدولي والجريمة المنظمة، ربما لا تتلاءم مع الإلغاء التشريعي، فإن الوصول إلى هذا الإلغاء، يمكن أن يتحقق مستقبلا مع قناعات مكونات المجتمع المغربي. حيث أن الموقف الذي يجسده التشريع المغربي لا ينفي وجود إرادة قوية تدفع إلى التفكير والتأمل الهادئ والرصين في موضوع الغاء عقوبة الإعدام، ولعل انعكاس ذلك ما تعبر عنه الدلالات القوية للعديد من المؤشرات التي يمكن أن نذكر من بينها: عدم تطبيق عقوبة الإعدام في المغرب منذ سنة 1993 ومساهمة العفو الملكي في التقليص من عدد المحكوم عليهم بالإعدام.

ما هو تقييمكم لانقسام الآراء حول عقوبة الإعدام بين الاوساط القانونية والحركة الحقوقية؟
أدى الاهتمام بعقوبة الإعدام إلى انقسام الآراء حول هذه العقوبة وتأرجح الرأي بين مؤيد لبقاء عقوبة الإعدام ومطالب بإلغائها وذلك حسب مبررات كل من الطرفين، فنجد أنصار عقوبة الإعدام يعتبرونها فعالة للردع العام وتؤدي إلى انخفاض معدل الجريمة، والأهم حسب آراء أنصار العقوبة العظمى أنها تحقق للمصلحة العليا للمجتمع وتحافظ على استقرار أمنة وحماية حياة الأفراد من الاعتداء عليها من قبل الجناة.

يعتبر المؤيدون لعقوبة الإعدام بأن الحكم بهذه العقوبة يشكل وسيلة لردع الجناة وتنيهم من الإقدام على ارتكاب الجرائم وذلك نظرا لما تحدثه في نفوسهم من رهبة وخوف لكونها تشكل أقسى العقوبات. لهذا يحرص المشرع على التنصيص على هذه العقوبة، ردعاً للعتاة من المجرمين.

لقد عمل أنصار الإبقاء على عقوبة الإعدام واستمرار تطبيقها على دعم رأيهم هذا بمبرر أن عقوبة الاعدام تحد من حالات العود للجريمة لأنها لا تسمح للمجرمين المتمرسين والمتسمين بالخطورة بتكرار أفعالهم إذ يستحيل العود مع تنفيذ عقوبة الإعدام التي تضع حدا نهائيا للنشاط الإجرامي.

أما المعارضون لعقوبة الإعدام، فاعتبروا عقوبة الإعدام أقرب إلى الانتقام، وتتنافى مع المبادئ الإنسانية الكونية، وتمس بحق الحياة المقدس الذي لا يجب الاعتداء عليه باسم القانون. فالمدافعون عن حقوق الانسان يطالبون الحكومة المغربية على العمل على تعديل القانون الجنائي عبر إلغاء عقوبة الإعدام، تماشيا مع المقتضيات الواردة في المادة 20 من الدستور المغربي، والمتعلقة ب "الحق في الحياة"، وضرورة تكييف القوانين المغربية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، والمصادقة على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام. وهو ما يستوجب الاستئصال من السياسة التشريعية الجنائية خصوصا مع التعهد الدستوري الذي جاء في تصدير الوثيقة الدستورية بالالتزام باحترام المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.

إن هذه العقوبة حسب المعارضين لعقوبة الإعدام، تشكل إجهاضا للحياة من الكائن البشري ولا يمكن نزع الروح إلا ممن وهبها. فعقوبة الإعدام لا تحقق الردع ولا التخفيف من الإجرام لأن معظم المجرمين لن تردعهم عقوبة الموت على ارتكاب جرائمهم.

ويضيف أنصار الإلغاء، بأن القاضي بشر معرض للخطأ، والقاضي يحسن تفسير وتطبيق النصوص القانونية، إلا أنه يفتقر إلى المعرفة الدقيقة بخبايا الطبيعة البشرية، والظروف الاجتماعية والنفسية للمتهم الماثل أمام العدالة، وقد دلت تقارير الدول المقدمة، إلى أن إقدامها على إلغاء عقوبة الإعدام، كان بسبب اكتشافها لعدة أخطاء قضائية أودت بحياة العديد من الأبرياء، من حكم عليهم بالموت بتفسير مجانب للصواب، كما تدل عن ذلك العديد من التقارير القضائية المنجزة في الولايات المتحدة وغيرها.

ما هي المعايير الدولية التي يمكن الاعتماد عليها لإلغاء عقوبة الإعدام؟
اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمه الأمم المتحدة بقراره رقم 50/1984 بتاريخ 25 مايو 1984 ضمانات تكفل حماية حقوق المدانين بعقوبة الإعدام، فهذه الضمانات تأخذ مرجعيتها من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتمثل الحد الأدنى من المعايير المتعلقة بالحماية:

-الأحداث: ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل صراحة على أن أي شخص تقل سنه عن 18 سنة عند ارتكابه جريمة لا ينبغي أن يخضع لعقوبة الإعدام. وقد أصبحت هذه القاعدة جزءا من القانون الدولي العرفي.
-كبار السن: أن عقوبة الإعدام لا تفرض على الأشخاص الذين يبلغ عمرهم في وقت ارتكاب الجريمة 70 سنة أو أكثر؛
-الحوامل: تستثني الضمانات إعدام المرأة الحامل من اجل حماية الطفل الذي لم يولد بعد (طبقا للمادة 6 من العهد)؛
-الأشخاص المصابين بأمراض عقلية: لا يجب اصدار او تنفيذ حكم الإعدام على الأشخاص المختلين عقليا.

كما أن الحق في الحياة هو أول الحقوق الطبيعية اللصيقة بالكائن البشري، والذي أكدت عليه مقتضيات المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في فقرتها السادسة " الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا".

ومن جانب آخر، فاتفاقية مناهضة التعذيب اعتبرت في الملاحظات الختامية، أن فرض عقوبة الإعدام، وأساليب تنفيذ عقوبة الإعدام مثل الشنق واستعمال الكرسي الكهربائي والرمي بالرصاص والحقنة المميتة تتسبب في إلحاق ألم وأذى شديدين تتوفر فيهم أركان فعل التعذيب.

وتجب الاشارة الى ان الدستور المغربي لعام 2011 يكرس حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وينص على حماية منظومتها، مع مراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء. وقد نص الدستور المغربي على الحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق"، (الفصل 20).

فالقراءة التي يمكن تقديمها للحق في الحياة كما ورد في الوثيقة الدستورية، هو أن الحق في الحياة تضمنه الدولة بواسطة القانون، ولا يمكن تقديم هذه القراءة الضيقة بأن الفصل 20 يرتبط بالمعنى الفيزيائي لبقاء الإنسان على قيد الحياة، وإنما يتكامل الحق في الحياة مع شروط العيش الكريم والتي تتجسد في السكن اللائق والرعاية الصحية والغذاء الكاف. فالحق في الحياة كما ورد في الفصل 20 يجب ان يشمل التدابير التي تكفل المستوى المعيشي الذي يضمن للفرد الكرامة الإنسانية كالماء الشروب والبيئة النظيفة واتخاذ مجموعة من الإجراءات على مستوى الصحة العمومية إضافة إلى القضاء على أسباب وفيات الأطفال وزيادة المتوسط العمري لدى الساكنة.