حل السياسي محمد الشيخ بيد الله، وزير الصحة السابق والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس مجلس المستشارين سابقا وأحد مؤسسي جبهة البوليساريو، ضيفا على برنامج "بصمات" الذي تبثه قناة M24، وتطرق في حوار مفصل إلى محطات ساخنة من مساره المهني والسياسي، بدءا بمساهمته في تأسيس نواة للطلبة الصحراويين بالرباط، مرورا بالأخطاء السياسية الكبرى التي واكبت تأسيس جبهة البوليساريو، والدور الليبي والمعارضة المغربية في الجزائر في تعزيز الدعوة إلى الانفصال وحمل السلاح، وصولا إلى ما يعيشه ملف الصحراء من انعطافات ديبلوماسية مهمة..
"أنفاس بريس" تنشر أبرز مضامين هذا الحوار:
في سنة 1992 وإلى غاية 1998 عينت عاملا على عمالة سلا، وكان هناك لقاء رسمي مع الملك الراحل الحسن الثاني.. حول ماذا تمحور ذلك اللقاء ؟
تلك كانت مرحلة مهمة ومشرفة في مساري السياسي. لم أكن أنتظر أن أعين عاملا على مدينة سلا بما تحمله من رمزية، فهذه المدينة أنجبت أسماء كبيرة، مثل أبو بكر القادري وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد حجي صاحب معلمة المغرب، والصديق معنينو.. هي حاضنة الحسونيين [نسبة إلى الولي الصالح سيدي عبد الله بن حسون] وموسم الشموع، وهي ترمز للجهاد البحري.. وبالتالي كانت سلا أمانة كبيرة أخذتها على عاتقي، ولما استقبلني المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني وكان كالجبل، إذ حين تقف أمامه تعتريك رهبة قوية، بل كان من الصعب أن يتحكم الإنسان في أعصابه وعرق جبينه أمام ذلك الشخص العالم، الفقيه، اللغوي، النحوي، المجيد للعربية والفرنسية، العارف بالأغاني والموسيقى..كان يوما تاريخيا أثر في كثيرا، وخصوصا لما قال لي المرحوم: "سلا مدينة صعبة، ويمكنك إذن أن تفكر في طريقة لإنقاذ هذه المدينة، وبابي مفتوح إذا احتجت إلى تمويل لمشاريع ما". وفعلا لما ذهبت إلى هذه المدينة، قصدت قاعة الاجتماعات ببلدية المدينة على متن سيارة من نوع "مرسيديس" حمراء اللون، لازلت احتفظ بها إلى اليوم، فقال لي وزير الداخلية ينبغي أن توقف سيارتك أمام عمالة المدينة. بعد دخولي إلى سلا شرعت في زيارة كبار القوم هناك. زرت أبوبكر القادري في منزله، واستمعت إلى نصائحه وكلامه، وزرت محمد الصديق معنينو في منزله، وزرت الكاتب محمد حجي الذي كان يشغل مدير المعهد الملكي. كما زرت الكبار كلهم، خاصة الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، ولم أتمكن من زيارة عبد الرحيم بوعبيد لأنه لم يكن موجودا بسلا، وقد حاولت زيارة هذا الشخص العظيم الذي تحدث عنه بيير جولي الذي كان وزيرا مكلفا بتونس والمغرب في كتابه une république pour un roi.
تلك كانت مرحلة مهمة ومشرفة في مساري السياسي. لم أكن أنتظر أن أعين عاملا على مدينة سلا بما تحمله من رمزية، فهذه المدينة أنجبت أسماء كبيرة، مثل أبو بكر القادري وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد حجي صاحب معلمة المغرب، والصديق معنينو.. هي حاضنة الحسونيين [نسبة إلى الولي الصالح سيدي عبد الله بن حسون] وموسم الشموع، وهي ترمز للجهاد البحري.. وبالتالي كانت سلا أمانة كبيرة أخذتها على عاتقي، ولما استقبلني المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني وكان كالجبل، إذ حين تقف أمامه تعتريك رهبة قوية، بل كان من الصعب أن يتحكم الإنسان في أعصابه وعرق جبينه أمام ذلك الشخص العالم، الفقيه، اللغوي، النحوي، المجيد للعربية والفرنسية، العارف بالأغاني والموسيقى..كان يوما تاريخيا أثر في كثيرا، وخصوصا لما قال لي المرحوم: "سلا مدينة صعبة، ويمكنك إذن أن تفكر في طريقة لإنقاذ هذه المدينة، وبابي مفتوح إذا احتجت إلى تمويل لمشاريع ما". وفعلا لما ذهبت إلى هذه المدينة، قصدت قاعة الاجتماعات ببلدية المدينة على متن سيارة من نوع "مرسيديس" حمراء اللون، لازلت احتفظ بها إلى اليوم، فقال لي وزير الداخلية ينبغي أن توقف سيارتك أمام عمالة المدينة. بعد دخولي إلى سلا شرعت في زيارة كبار القوم هناك. زرت أبوبكر القادري في منزله، واستمعت إلى نصائحه وكلامه، وزرت محمد الصديق معنينو في منزله، وزرت الكاتب محمد حجي الذي كان يشغل مدير المعهد الملكي. كما زرت الكبار كلهم، خاصة الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، ولم أتمكن من زيارة عبد الرحيم بوعبيد لأنه لم يكن موجودا بسلا، وقد حاولت زيارة هذا الشخص العظيم الذي تحدث عنه بيير جولي الذي كان وزيرا مكلفا بتونس والمغرب في كتابه une république pour un roi.
هل كنت مستعدا لتعيينك عاملا على سلا؟
أُحطت علما بالتعيين في الصباح الذي تم فيه تسميتي عاملا على سلا، وكنت دائما مستعدا لخدمة وطني في أي منصب، علما أنني كنت أدرس الطب، ولم تكن لدي مؤهلات إدارية لأقوم بإدارة عمالة كبيرة بمشاكلها وبرجالاتها وبحمولتها التاريخية..
أُحطت علما بالتعيين في الصباح الذي تم فيه تسميتي عاملا على سلا، وكنت دائما مستعدا لخدمة وطني في أي منصب، علما أنني كنت أدرس الطب، ولم تكن لدي مؤهلات إدارية لأقوم بإدارة عمالة كبيرة بمشاكلها وبرجالاتها وبحمولتها التاريخية..
ما بين 1998 و 2000، ستعين كذلك واليا على جهة دكالة عبدة، وعاملا لإقليم آسفي، أثناء حكومة التناوب، فكيف عشتم هذا التحول؟
كان تشريفي بتسيير جهة دكالة عبدة، التي كانت تضم شخصيات كبيرة مثل عمر بنشمسي ومتقي الله، شيئا كبيرا. كما أن آسفي التي عينت عاملا لها تعتبر صنوة سلا أو توأمها، ولها البعد الرمزي نفسه، حيث كان فيها رجال من حجم الجنرال حسني بنسليمان أطال الله في عمره، والجنرال القادري، والوزير المفضل لحلو. كما تضم التاريخ البرتغالي ومنزل جودار الذي ذهب إلى مالي رفقة السعديين، وفيها كنيسة مانويل، الكنيسة الوحيدة التي بقيت خارج البرتغال. إنها مدينة تقطر بالتاريخ، وفيها رجالات خدموا البلاد بكل تفان وذكاء وتجرد.
تقبَّلت تعييني بداية بنوع من الدهشة. ولما جاءت حكومة التناوب، سلموني ميزانية من أجل توزيعها على الناس أيام الجفاف. لكني رفضت توزيعها، وطلبت من الوزير الأول أن أستعملها في بناء سدين صغيرين تمت دراستهما في الستينيات ولم يتم إنجازهما. وقد وجدت صعوبة كبيرة في الترخيص لي بذلك، وهو ما دفعني إلى تسليم الميزانية لوزارة التجهيز من أجل بناء السدين، وكان مدير التجهيز في ذلك الوقت هو كريم غلاب. وفعلا تم إنجازهما. والحقيقة أن جهة دكالة – عبدة انتعشت نتيجة بناء هذين السدين..
حكومة التناوب جاءت، وكما جاء على لسان الراحل الحسن الثاني، لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية، فكيف يمكن أن تصف لنا ذلك وأنت الذي كنت فاعلا داخل هذه الحكومة ؟
استمعت بإمعان إلى الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله. لكن لم تكن لدي جميع الأدوات اللازمة لتحليل مضمون الخطاب، حيث أن هذه الأدوات لم تتعد الحدود الجغرافية لآسفي. كانت ظرفية صعبة لدرجة أن ساكنة آسفي كانت قادرة على مقايضة لتر من الماء بلتر من الزيت. كان مشكل الماء أساسيا في آسفي، وحادا وضاغطا على الساكنة، حيث أن مستوى الفرشة المائية تراجع بشكل كبير. وبالنسبة لي لم يتغير أي شيء مع مجيء حكومة التناوب، ففي ذلك الوقت كانوا يسمون العامل، عامل صاحب الجلالة، وكان المخاطب الوحيد للعامل أو الوالي هو وزير الداخلية، هذا الأخير الذي كان مرتبطا بالحكومة بينما أعينه في العمالات والأقاليم، وبالتالي لم أعش أي تغيير.