mercredi 9 avril 2025
كتاب الرأي

حسن مخافي: الحفاظ على السلم الاجتماعي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن

حسن مخافي: الحفاظ على السلم الاجتماعي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن حسن مخافي
يعرف المغرب منذ سنوات حركات احتجاجية تكاد تغطي مساحة البلاد شرقا وغربا، جنوبا وشمالا. ولا شك في أن كثافة تلك الاحتجاجات وزخمها ينبئان باتساع في هامش الحريات العامة بالمقارنة مع عرفته البلاد في العقود الأخيرة من القرن العشرين، مما جعل التظاهرات الاجتماعية تتطور في صيغها وفي مضامينها.
 
وأدى ذلك إلى بروز أشكال جديدة من الاحتجاج غير مؤطرة نقابيا أو سياسيا، حيث يخرج المواطنون بطريقة عفوية تلقائية استنكارا وتنديدا بالإهمال واللامبالاة اللذين يتعرضون إليهما من طرف بعض المسؤولين المحليين أو الوطنيين.
 
وتشكل هذه التحركات الاجتماعية، الصغيرة في حجمها والدالة في مضمونها، مناسبة للإعلان عن بعض المطالب الخاصة بفئة معينة أو حي معين... وغالبا ما تكون تلك المطالب في مجملها بسيطة ومتواضعة تتعلق بحاجيات الحياة اليومية للمواطن العادي، بعيدا عن السياسة وشعاراتها الفضفاضة.
 
إن شيوع ظاهرة الخروج إلى الشارع للاحتجاج بهذا الشكل العفوي، ينم عن وعي المواطن المغربي المتزايد بحقوقه وواجباته، ولكنه يعبر في نفس الوقت عن عجز فادح للأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني عن تأطير المواطن.
 
الغريب في أمر النقابات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ببلادنا، أنها كانت تحتضن المواطن وتنذر نفسها لتأطيره والدفاع عن مصالحه عندما كانت تمول فقط من طرف منخرطيها. وعندما أصبحت تستفيد من ميزانية الدولة عن طريق الدعم العمومي، وأضحت لها ميزانيات ومقرات ومكاتب... تخلت عن هذا الدور واكتفت بغنيمة الدعم الحكومي. مما جعل المواطن يسحب منها الثقة شيئا فشيئا إلى أن وجد نفسه مجبرا على إعلاء صوته خارج كل التنظيمات الاجتماعية التقليدية.
 
والمتتبع للشأن العام بوطننا العزيز، لا بد أن يلاحظ أن الحركات الاحتجاجية التي يعرفها الشارع المغربي هذه الأيام تضاهي ما شهده من احتجاجات زمن الحكومات السابقة كلها. ولا يعود السبب في ذلك إلى هامش الحرية الذي أصبح أكثر اتساعا من السابق فقط، بل يرجع إلى أن فئات اجتماعية عريضة قد لحقها الضرر من السياسة الحالية في تدبير الشأن العام.
 
يمكن للحكومة أن تختبئ وراء لغة الأرقام وتعلن في الناس أن تلك الحركات ذات الطابع المطلبي الاجتماعي مجرد حركات معزولة لا تغير من الأمر شيئا، وقد تذهب بعيدا في تفسير هذه الظاهرة بأنها نتيجة خلاف سياسي مع معارضيها، وأنها محاولات فاشلة لإرباك الحياة العادية.
 
كما يحق لها أن ترى في الوقفات الاحتجاجية أمام البرلمان ومقرات الولايات والأقاليم، مجرد تشويش على منطق الديمقراطية الذي يقتضيه سيف الأغلبية، وباستطاعتها أن تعلن بأن الأمر برمته ليس سوى محاولة يائسة لزعزعة ثقة المواطنين في "سياستها الحكيمة" وإنجازاتها التي لا تعد ولا تحصى، والتي يبدو أن مشروع نظام التقاعد الجديد، الذي يطبخ بعيدا عن المعنيين بالأمر، لن يكون آخرها.
 
ولكنها بتبخيسها لحركات الاحتجاج هذه، وباستصغارها لعدد المشاركين فيها وللمطالب التي يعبرون عنها، إنما تريد أن تؤكد "فكرة" مفادها أنها تحتكر الحقيقة الاجتماعية، وأن الوضعية ما دامت تحت السيطرة فهذا يعني أن أغلبية المواطنين راضون بما تتخذه من قرارات، حتى وإن تم اتخاذها في غياب الهيئات التمثيلية، وهي هيئات يمكن أن نختلف في فعاليتها وجدواها، ولكن لا يمكن أن نختلف في وجودها المستمد من القوانين التي تنظم المجتمع.
 
إن مثل هذا الموقف مما يجري يحمل في طياته مخاطر على المستقبل لأنه ببساطة شديدة يهدد السلم الاجتماعي.
فهو بنظرته تلك إلى الحركات الاحتجاجية يكشف عن تصور ضيق للتعددية التي تعد من المبادئ الأولى لكل ممارسة ديمقراطية. وبالتالي فإن تحقير المبادرات الاجتماعية وإن كانت أشكالا للاحتجاج، من شأنه أن يلغي كل أشكال التفاعل مع المواطن الذي هو مبتدأ وخبر كل سياسة.
 
هذا يعني أن الاحتجاج هو مظهر من مظاهر الديمقراطية التي هي عربون التعايش داخل المجتمع، وأن ازدراءه هو في النهاية ازدراء للديمقراطية.
 
إن المغرب من البلدان القليلة التي تشهد احتجاجات ووقفات واعتصامات تكاد تكون يومية، ولا تكلف حكومته نفسها دعوة المحتجين إلى الحوار من أجل اقتلاع أسباب التوتر الاجتماعي. بل يبدو أن الحكومة تزداد تصميما على السير في سياسة الأمر الواقع وفرض قرارات في غياب المعنيين بها. وكأنها اطمأنت إلى أن المغاربة الذين أبانوا عن وعي حاد بالمسؤولية، استكانوا إلى "واقع الحكومة" الجديد وقايضوا حاجياتهم الضرورية إلى التعليم والصحة والسكن بأمنهم وأمن بلدهم. وفات الحكومة أن تدرك أن هذا الفهم للواقع يعمل على تقويض السلم الاجتماعي الذي ظل المغاربة يحافظون عليه بحكمتهم وتبصرهم وصبرهم.