lundi 7 avril 2025
سياسة

هل يرضخ المغرب لـ "ديبلوماسية الابتزاز"  التي يمارسها ماكرون؟

هل يرضخ المغرب لـ "ديبلوماسية الابتزاز"  التي يمارسها ماكرون؟ الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
أمام الإخفاقات المتلاحقة والملحوظة التي مُنيت بها فرنسا، في الساحة الدولية، وأمام تقلص أدوارها "التاريخية"، ودخول لاعبين جدد في معترك "الاستثمار" في مستعمراتها السابقة، اختار إيمانويل ماكرون أن يمارس سياسة الأرض المحروقة مع دول المغرب العربي لإرغامها على الرضوخ لإملاءات قصر الإليزيه. وهذا ما يفسر، أولا، الحملة المضللة والمريبة لابتزاز المغرب بإدخاله إلى "منطقة الدفاع" عبر اتهام أجهزته الاستخباراتية بالتجسس على شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية فرنسية، وعلى رأسها الرئيس الفرنسي نفسه؛ ويفسر، ثانيا، التشدد الذي تنتهجه فرنسا في رفض منح التأشيرات لفئات مختلفة من المغاربة لدخول أراضيها بالرغم من أن طالبي الفيزا أطر عليا في مؤسسات عمومية كبرى، منهم مهندسون وأطباء وطلبة ووزراء سابقون، رغم استيفاء جميع الشروط والضمانات التي تؤهلهم للحصول عليها؛ كما تفسر، ثالثا، "الاستقواء" بالجزائر أو "استخدامها" من أجل كسر النجاحات التي تحققها الديبلوماسية المغربية على مستوى حل نزاع الصحراء.
 
لقد رأينا كيف استطاع ماكرون أن يجعل المتربع على كرسي قصر المرادية ينسى "البهدلة" التي مرغه فيها حين قال بأنه "عالق داخل نظام متحجر"، كما شكك في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، مما تسبب في أزمة ديبلوماسية كبيرة. فما هي يا ترى "الهدية" التي حملها قصر الإليزيه لعبد المجيد تبون حتى يبلع كل ذلك الإذلال؟
من الواضح أن "الهدية" التي بوسعها أن ترضي العسكر الجزائري لن تكون بعيدة عن "معاكسة مصالح الرباط"، وإخراج "البوليساريو" من عزلتها الإقليمية الخانقة. ذلك أن إطالة أمد "نزاع الصحراء" هو الذي يبرر ملايين الدولارات التي يصرفها الجنرال شنقريحة على صفقات السلاح، بينما يعيش الشعب الجزائري إنهاكا اجتماعيا كبيرا وتدهورا غير مبرر في الخدمات، على مستوى الصحة والتعليم والعدالة.. ألخ.

 
ولهذا السبب، لا ينبغي النظر إلى زيارة ماكرون للجزائر سوى في هذا الأفق الابتزازي القذر، لأن الأزمة الصامتة بين باريس والرباط التي استغرقت أكثر من سنة، تحولت حاليا إلى مواجهة مكشوفة لتكسير العظام. فالمغرب كان واضحا في اشتراطاته للدخول في أي شراكات دولية، وقال إنه يعتبر "الصحراء" "النظارة الدبلوماسية" التي ينظر خلالها إلى العالم"، مما شكّل منعطفاً كبيراً في سياسته الخارجية التي بدأت تتعامل بحزم مع الدول الأوروبية التي تقدّمُ مواقف ضبابية، وعلى رأسها فرنسا. أما ماكرون، فقد أجاب عن هذا الاشتراط، في نوع من التصعيد غير المباشر، بإخراجه لورقة الاصطفاف إلى جانب الجزائر في قضية الصحراء، إذا استمر المغرب الضغط عليه للالتحاق بالولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا، وإذا واصل تنويع شراكاته وانفتاحه على عمقه الإفريقي سياسيا واقتصاديا وروحيا.
 
فهل معنى ذلك أن فرنسا اختارت التصعيد مع المغرب على نحو لا رجعة فيه؟
كل المراقبين يؤكدون أن فرنسا لا يمكنها، بالنظر إلى اتساع حجم مصالحها في كلا البلدين، أن تنحاز إلى هذا الطرف أو ذاك، وأنها تكتفي بإمساك الحبل من الوسط، تشده متى شاءت، وترخيه متى عاكس هذا الطرف أو ذاك مصالحها الحيوية والاستراتيجية. إن فرنسا، وهذا ينبغي أن يقال صراحة، عاجزة عن اتخاذ موقف في سياق صراع دولي وإقليمي في المحيط الإفريقي، كما أنها تتعامل مع ملف نزاع الصحراء ليس بمنطق البداهة التاريخية، ولكن بمنطق الراقص على الحبل المشدود من الجانبين، وأي تعثر سيجعلها تتكبد خسارة جسيمة إلى جانب الخسارات التي تكبدتها في الآونة الأخيرة في مالي ولبنان، وفي ملف الصراع الروسي الأوروبي.

 
لم يعلن المغرب أنه يسعى إلى الإضرار بمصالح الجزائر، ولم يسع إلى مقايضة مواقفها السيادية تجاه الجزائر وتونس، ولم يدع إلى أي قطيعة معها، لكن من حقه دعوة شركائه إلى الخروج من منطقة الغموض في الموقف من الصحراء. من حق ماكرون أن يدعو إلى إنشاء "لجنة مؤرخين مشتركة" بين بلده والجزائر، ومن حقه أن يبطل سياسية تقليص التأشيرات عن تونس بلا تحفظات، لكن ليس من حقه ابتزاز المغرب وتهديده بإحداث شقوق في انتصاراته الديبلوماسية. إن هذا التوجه السياسي ذا الخلفية العقابية يترجم بشكل لا يدع مجالا للشك عطل الآلة السياسية الفرنسية في تدبير الخلافات، وفشل ماكرون الشخصي في تمكين فرنسا من القوة الديبلوماسية اللازمة لخلق التحالفات ومراكمة المكاسب على الواجهة الدولية. كما يترجم نظرة قصر الإليزي لحلفائه التقليديين التي تتناسى أن فرنسا لم تعد اللاعب الأقوى أو الوحيد في المنطقة، وأن المغرب لن يقبل ببناء علاقات إلا على قاعدة المصالح المتبادلة، كما صرح بذلك الملك محمد السادس في مناسبتين.
 
إن التوجه الحالي لماكرون بخصوص المغرب ليس أمرا عرضيا يمكن القفز عليه كأنه "لا حدث"، بل محاولة لفرض شروط من الواضح أن الرباط لن تقبل بها، خاصة أنها تحققت بمضمون معادي لتوجهات الرباط، في سلسلة متلاحقة ومنسقة. صحيح أنه أعلن عن زيارة مرتقبة إلى المغرب خلال شهر أكتوبر القادم، لكن هذا الإعلان يقرؤه المراقبون بأنه بمثابة إمهال للمغاربة ومنحهم فرصة للتفكير في ما يمكن باريس القيام به لمعاكسة طموحاتهم في السيادة والاستقلال، كما يعتبر رسالة إلى الجزائر بأن لاشيء انتهى بينها وبين الرباط، خاصة أنه لم يتم الإتيان على ذكر الصحراء في المحادثات الثنائية بين البلدين.