تعاني أنظمة التقاعد في المغرب من تحديات عديدة تهدد استدامتها وعدالتها الاجتماعية. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل الديمغرافية والاقتصادية والإدارية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً لإصلاح النظام وضمان تحقيق التوازن بين مداخيله ونفقاته، مع الحفاظ على كرامة المتقاعدين.
تستند أنظمة التقاعد في المغرب إلى مبدأ التوزيع، حيث تُموَّل المعاشات الحالية من مساهمات العاملين. ومع ذلك، تظهر تفاوتات واضحة بين الأنظمة الرئيسية من حيث شروط الاستفادة، عدد سنوات المساهمة، ونسب المساهمات. هذا التفاوت يفاقم التحديات التي تواجه النظام ككل، مثل ضعف الحوكمة وغياب الشفافية، إلى جانب العجز المالي المتزايد.
أهمية الحوار الاجتماعي كمدخل وآلية للإصلاح
يعد الحوار الاجتماعي أداة أساسية وفعالة لتحقيق إصلاح شامل ومستدام لأنظمة التقاعد. فهو يتيح الفرصة لمشاركة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة، النقابات، وأرباب العمل، في مناقشة التحديات والحلول المقترحة. من خلال هذا الحوار، يمكن:
- بناء توافق وطني لضمان توافق جميع الأطراف على رؤية مشتركة للإصلاح.
- تعزيز الشفافية، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات والبيانات حول الوضع الحالي لصناديق التقاعد والتحديات التي تواجهها.
- تحديد حلول متوازنة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف، مع التركيز على الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية.
- ضمان التنفيذ الفعال، من خلال متابعة تنفيذ الإصلاحات التي تبلورها وتقرها لجان مختصة تمثل جميع الجهات المعنية.
التحديات الرئيسية
التحديات الديمغرافية:
بناءا على الإحصاء العام للسكان والسكنى في المغرب الذي أجري خلال شهر شتنبر 2024، كشف عن مجموعة من التحديات الديموغرافية التي تواجه البلاد ، أبزها برتبط بمعدل سنوي للنمو السكاني السنوي المتوسط قدره 0.85% خلال الفترة ما 2014 و 2024، كما أن بلغ معدل الخصوبة الإجمالي بلغ 1.97 طفل في عام 2024, وهو أقل من مستوى الإحلال البالغ 2.1، مما يشير إلى انخفاض في نسبة الأطفال وزيادة في نسبة كبار السن ضمن التركيبة السكانية.
في هذا الإطار، يواجه نظام التقاعد بالمغرب تحديات ديمغرافية واضحة، منها ارتفاع متوسط العمر المتوقع الذي يزيد من فترة الاستفادة من المعاشات، وتراجع معدلات الخصوبة الذي يؤدي إلى تقلص قاعدة المساهمين، وشيخوخة السكان التي تزيد من عدد المتقاعدين وتضاعف الضغط على صناديق التقاعد.
التحديات الاقتصادية: تعاني صناديق التقاعد من ضعف مردودية استثماراتها نتيجة غياب سياسات استثمارية فعالة، واعتماد مفرط على المساهمات دون البحث عن مصادر تمويل مبتكرة. بالإضافة إلى ذلك، يشكل دعم الصناديق ضغطاً كبيراً على ميزانية الدولة، مما يزيد من صعوبة إدارة الموارد.
التحديات الاجتماعية: ضعف قيمة المعاشات يفاقم نسبة الفقر بين المتقاعدين، ويزيد الضغط على الخدمات الاجتماعية والصحية. تعاني الفئات الأكثر هشاشة من محدودية التغطية الصحية، مما يجعل الوضع الاجتماعي أكثر تعقيداً؛
الحلول المقترحة
لتحسين ظروف المتقاعدين، ينبغي رفع قيمة المعاشات بشكل فوري وبأثر رجعي، وتوسيع نطاق الرعاية الصحية مع إعفاء المتقاعدين وأسرهم من دفع الفروقات المالية التي تتجاوز تغطية نظام التأمين الأساسي.
تحسين حكامة صناديق التقاعد: وهذا لن بتأتى إلا بتعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير دورية توضح الوضع المالي للصناديق وأداء استثماراتها، بالإضافة إلى تحسين إدارة الاستثمارات عبر تنويعها وتوظيف خبراء ماليين متخصصين. يجب أيضاً إشراك النقابات والمستفيدين في إدارة الصناديق لضمان عدالة القرارات، مع وضع آليات رقابة صارمة للحد من سوء التسيير والفساد.
تعزيز استدامة الصناديق
ولضمان استدامة صناديق التقاعد، يجب زيادة عدد المساهمين عبر إدماج القطاع غير المهيكل في النظام، وخلق فرص عمل جديدة للشباب. كما ينبغي توحيد أنظمة التقاعد المختلفة في نظام شامل ومستدام وتنويع مصادر التمويل من خلال فرض ضرائب تضامنية واستثمار العوائد في قطاعات مربحة.
تهدف هذه الإصلاحات إلى تحقيق استدامة مالية لأنظمة التقاعد وزيادة عائدات استثماراتها، مع ضمان عدالة اجتماعية من خلال تحسين المعاشات والخدمات الصحية. كما تسعى إلى تعزيز الثقة في النظام عبر الشفافية والإدارة الرشيدة.
لذا، فإصلاح أنظمة التقاعد في المغرب تظل ضرورة ملحة لضمان استدامة النظام وعدالته. إن تحسين حكامة الصناديق وزيادة المعاشات، إلى جانب إصلاحات هيكلية أخرى، يمثل حجر الأساس لبناء نظام تقاعدي عادل ومستدام يخدم مصالح الأجيال الحالية والقادمة. ولتحقيق هذه الأهداف لا بد من خلق جسر للتعاون الوثيق بين الحكومة النقابات، والمجتمع المدني لضمان تنفيذ إصلاحات شاملة ومتوازنة.