samedi 12 avril 2025
سياسة

الفرياضي: هل استعطف تبون رئيس موريتانيا للتوسّط لدى الملك محمد السادس للحيلولة دون سقوط نظام العسكر فـي الجزائر؟!

الفرياضي: هل استعطف تبون رئيس موريتانيا للتوسّط لدى الملك محمد السادس للحيلولة دون سقوط نظام العسكر فـي الجزائر؟! عبد الله الفرياضي، باحث في الشؤون المغاربية
تغليف‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬بطابع‭ ‬الخصوصية،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬خلفياتها‭ ‬الحقيقة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يستبعد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬قد‭ ‬حمل‭ ‬إلى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬رسالة‭ ‬استعطاف‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬إمكانية‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بدور‭ ‬الوساطة‭ ‬قصد‭ ‬تصفير‭ ‬منسوب‭ ‬التوتر‭ ‬المحتدم‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أمام‭ ‬انهيار‭ ‬التحالف‭ ‬الإيراني‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تقدم‭ ‬مشروعي‭ ‬المبادرة‭ ‬الأطلسية‭ ‬وأنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬نيجيريا‭ ‬–‭ ‬المغرب‭ ‬المدعومين‭ ‬من‭ ‬أمريكا،‭ ‬وأوربا‭ ‬الغربية،‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭.‬

إن‭ ‬استيعاب‭ ‬الدلالات‭ ‬الثاوية‭ ‬وراء‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬-‭ ‬أياما‭ ‬قليلة‭ ‬بعد‭ ‬لقائه‭ ‬الخاطف‭ ‬بالرئيس‭ ‬تبون‭ ‬في‭ ‬نواكشوط‭ ‬-‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتحقّق‭ ‬دون‭ ‬استدعاء‭ ‬المتغيرات‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬المتسارعة‭ ‬عالميا،‭ ‬والتي‭ ‬وجد‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬نفسه‭ ‬أمامها‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬استعداد‭.‬

الواقع‭ ‬أننا‭ ‬اليوم‭ ‬إزاء‭ ‬مخاض‭ ‬ميلاد‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭. ‬نظام‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬قاعدةِ‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭ ‬بدل‭ ‬القطبية‭ ‬الثنائية‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭ ‬الشرقي‭ ‬والغربي‭. ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬ومنذ‭ ‬استقلالها‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭‬اختارت‭ ‬الاصطفاف‭ ‬مع‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬مقابل‭ ‬اصطفاف‭ ‬نظام‭ ‬الجنرالات‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مياه‭ ‬كثيرة‭ ‬جرت‭ ‬تحت‭ ‬الجسر‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬سنة‭ ‬1989،‭ ‬ثم‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬سنة‭ ‬1991‭‬وفي‭ ‬النتيجة‭ ‬يمكننا‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬“الملكي”‭ ‬المغربي‭ ‬حينها‭ ‬قد‭ ‬تمكن‭ ‬باقتدار‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬واستشراف‭ ‬ملامح‭ ‬المستقبل‭ ‬السياسي‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬فيما‭ ‬عجزت‭ ‬الجزائر‭ ‬العسكرية‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أتت‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬لتكشف‭ ‬عنه‭.‬

‮ ‬خلفيات‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‮ ‬وقراءات‭ ‬لما‭ ‬حصل
‮ ‬بداية‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬موقعة‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬تراتبيا‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬الزيارات‭ ‬المختلفة‭ ‬لقادة‭ ‬الدول‭. ‬ففي‭ ‬العرف‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬ثمة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬أولا‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‮ ‬تتم‭ ‬إلا‭ ‬بدعوة‭ ‬رسمية‭ ‬بين‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يواكبها‭ ‬من‭ ‬مراسم‭ ‬بروتوكولية‭ ‬معقدة‭. ‬ثم‭ ‬زيارة‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬دون‭ ‬الأولى،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬صرامة‭ ‬البروتوكول‭ ‬لتركز‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬موضوعات‭ ‬محددة‭. ‬فالزيارة‭ ‬الخاصة:‮ ‬التي‮ ‬تكون‭ ‬عادة‭ ‬لأسباب‭ ‬شخصية‭ ‬وغير‭ ‬رسمية‭. ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬البلاغ‭ ‬الذي‭ ‬مهره‭ ‬الوزير‭ ‬المكلف بديوان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الموريتانية‭ ‬الناني‮ ‬ولد اشروقه،‭ ‬نجده‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬“زيارة‭ ‬خاصة“،‭ ‬وهو‭ ‬المعطى‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينفه‭ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬بالمغرب‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحيثيات‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تضمنه‭ ‬منطوق‭ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬نفسه‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬لطابعها‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الزيارة‭ ‬الرسمية‭ ‬“زيارة‭ ‬العمل“‭.. ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬مسبق‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬عنه‭.‬

‮ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬حين‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لقاء‭ ‬الملك‭ ‬بالرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬قد‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬أمران‭ ‬أساسيان،‭ ‬هما:‭ ‬انخراط‭ ‬موريتانيا‭ ‬في‭ ‬“المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬الإفريقي‭ ‬-‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ومبادرة‭ ‬تسهيل‭ ‬ولوج‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي“‭. ‬وبحسب‭ ‬المعلومات‭ ‬المتوفرة‭ ‬لدينا‭ ‬فإن‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬قد‭ ‬التمس‭ ‬بمجرد‭ ‬حلوله‭ ‬بالمغرب‭ ‬اللقاء‭ ‬بالملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تأتى‭ ‬له‭ ‬بالفعل‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬جلالته‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬استشفاء‭ ‬ونقاهة،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬حمولة‭ ‬سياسية‭ ‬-‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مسبقة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬محض‭ ‬زيارة‭ ‬خاصة‭ ‬بقصد‭ ‬الاطمئنان‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬لحرمه‭. ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬الأخير،‭ ‬فإن‭ ‬اختيار‭ ‬السيدة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬“مريم‭ ‬بنت‭ ‬الداه“‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬بالمستشفى‭ ‬العسكري‭ ‬بالرباط‭ ‬يحمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إشارة‭ ‬سياسية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬إمكانات‭ ‬التطبيب‭ ‬بالمستشفيات‭ ‬الغربية‭ ‬ليست‭ ‬بالشيء‭ ‬المستعصي‭ ‬على‭ ‬سيدة‭ ‬القصر‭ ‬الرمادي‭ ‬في‭ ‬نواكشوط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعززه‭ ‬قرائن‭ ‬وشواهد‭ ‬أخرى‭..‬

أياما‭ ‬قليلة‭ ‬قبل‭ ‬حلول‭ ‬الرئيس‭ ‬محمد‭ ‬الشيخ‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬بالقصر‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الحبوس‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬شهدت‭ ‬نواكشوط‭ ‬تنظيم‭ ‬المؤتمر‭ ‬القاري‭ ‬حول‭ ‬التعليم‭ ‬والشباب‭ ‬والتشغيل‭ ‬(تحديدا‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬دجنبر‭ ‬2024)،‭ ‬ورغم‭ ‬الطابع‭ ‬العادي‭ ‬لهذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحضره‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الرئيس‭ ‬السنغالي‭ ‬“باسيرو‭ ‬ديوماي‭ ‬فاي”،‭ ‬والرئيس‭ ‬الرواندي‭ ‬“بول‭ ‬كاغامي”،‭ ‬لاحظنا‭ ‬كيف‭ ‬طار‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬إلى‭ ‬نواكشوط‭ ‬للقيام‭ ‬بزيارة‭ ‬خاطفة‭ ‬إلى‭ ‬موريتانيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قابلته‭ ‬دولة‭ ‬شنقيط‭ ‬بإرسال‭ ‬رئيس‭ ‬البرلمان‭ ‬الموريتاني‭ ‬“محمد‭ ‬ولد‭ ‬مكت”‭ ‬إلى‭ ‬الرباط‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬وفد‭ ‬برلماني‭...‬
‮ ‬
موقف‭ ‬تبون‭ ‬وزيارات‭ ‬الغزواني
بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬فالراجح‭ ‬لدينا‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬محكومة‭ ‬بسياقات‭ ‬موريتانية‭ ‬محضة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬بسياقات‭ ‬جيوسياسية‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬نفترض‭ ‬وجودها‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬وزيارة‭ ‬تبون‭ ‬إلى‭ ‬نواكشوط‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬تبون‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬لرئيس‭ ‬جزائري‭ ‬منذ‭ ‬37‭ ‬سنة،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬زيارة‭ ‬الشادلي‭ ‬بن‭ ‬جدبد‭ ‬لنواذيبو‭ ‬سنة‭ ‬1987،‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬قد‭ ‬أجرى‭ ‬لوحده‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬زيارات‭ ‬رسمية‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬منذ‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيسا‭ ‬لموريتانيا‭ ‬سنة‭ ‬2019‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬زيارات‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬للبلدان‭ ‬التي‭ ‬يختارونها‭ ‬أمر‭ ‬سيادي،‭ ‬لكن‭ ‬المثير‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬تبون‭ ‬لنواكشوط‭ ‬أنها‭ ‬أتت‭ ‬يوما‭ ‬واحدا‭ ‬فقط‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬حليفه‭ ‬الديكتاتور‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬نظامه‭ ‬يسانده‭ ‬جهرا‭ ‬حتى‭ ‬لحظة‭ ‬فراره‭ ‬نحو‭ ‬روسيا‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يدرك‭ ‬بأن‭ ‬الدور‭ ‬قادم‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬بوصفه‭ ‬آخر‭ ‬نظام‭ ‬عسكري‭ ‬توتالتاري‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تآكل‭ ‬تحالفاته‭ ‬التقليدية‭ ‬مع‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬انتعاش‭ ‬المغرب‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬المعسكر‭ ‬اللبرالي‭ ‬الغربي‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أمامه‭ ‬غير‭ ‬استجداء‭ ‬موريتانيا‭ ‬للتوسط‭ ‬له‭ ‬لدى‭ ‬المغرب‭ ‬وبالتعدي‭ ‬لدى‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭...‬
‮ ‬
اندحار‭ ‬جزائري‭...‬‮ ‬وإعادة‭ ‬تشكل‭ ‬الخريطة‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬للصّحراء
الأمر‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬مرتبط‭ ‬بالسياقات‭ ‬الجيو‭ ‬-‭ ‬سياسية‭ ‬التي‭ ‬فتح‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬عينيه‭ ‬عليها‭ ‬بغتة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬اندحار‭ ‬تحالفاته‭ ‬التقليدية‭ ‬أمام‭ ‬انتعاش‭ ‬التّموقع‭ ‬الدولي‭ ‬للمغرب‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬قد‭ ‬تفطن‭ ‬-‭ ‬بشكل‭ ‬متأخّر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬-‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬خط‭ ‬الغاز‭ ‬“نيجيريا‭ ‬–‭ ‬المغرب“‭ ‬يشكل‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬لاقتصاده‭ ‬الوطني،‭ ‬وذلك‭ ‬اعتبارا‭ ‬لاعتماد‭ ‬الجزائر‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬صادراتها‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬نحو‭ ‬20%‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬و90% من‭ ‬إيرادات‭ ‬التصدير‭. ‬ففي‭ ‬حالة‭ ‬نجاح‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعني‭ ‬بشكل‭ ‬أوتوماتيكي‭ ‬تحلل‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬ارتهان‭ ‬اقتصادياتها‭ ‬للغاز‭ ‬الجزائري،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيُفاقم‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للنظام‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وسيزيد‭ ‬من‭ ‬منسوب‭ ‬السخط‭ ‬الشعبي‭ ‬ضده،‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬سيفضي‭ ‬إليه‭ ‬نجاح‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬حزام‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية،‭ ‬بوسعه‭ ‬خنق‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬وعزله‭ ‬عن‭ ‬عمقه‭ ‬الأفريقي‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭. ‬وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أخرى،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نستدعي‭ ‬مشروعا‭ ‬مغربيا‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬سابقه،‭ ‬أقصد‭ ‬هنا‭ ‬مشروع‭ ‬“المبادرة‭ ‬المتوسطية“‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬عنها‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬رسمي،‭ ‬وهي‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬“بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬والنيجر،‭ ‬ومالي،‭ ‬وتشاد“‭ ‬من‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬عبر‭ ‬استغلال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المغربية‭.‬

الأكيد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬قد‭ ‬استثمر‭ ‬تفكك‭ ‬منظمة‭ ‬“الإيكواس“،‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بوركينافاسو‭ ‬والنيجر‭ ‬ومالي،‭ ‬لتجذير‭ ‬نفوذه‭ ‬وترصيد‭ ‬ريادته‭ ‬بمنطقة‭ ‬الساحل‭ ‬وجنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الخريطة‭ ‬الجيو- سياسية‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬اعتبرتها‭ ‬الجزائر‭ ‬بمثابة‭ ‬حديقتها‭ ‬الخلفية‭...‬
‮ ‬
سياق‭ ‬جيو‭ - ‬استراتيجي‭ ‬دولي‭.. ‬‮ ‬وارتباك‭ ‬جزائري‭ ‬وعزلة
‬استعطاف‭ ‬النظام‭ ‬التوتاليتاري‭ ‬الجزائري‭ ‬للرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني‭ ‬للقيام‭ ‬بالوساطة‭ ‬له‭ ‬لدى‭ ‬المغرب،‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬جيو‭ ‬استراتيجي‭ ‬دولي‭ ‬يشتد‭ ‬فيه‭ ‬حبل‭ ‬العزلة‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يلتف‭ ‬حول‭ ‬عنق‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭. ‬فإذا‭ ‬غضضنا‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬توالي‭ ‬الاعترافات‭ ‬الدولية‭ ‬الوازنة‭ ‬بسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الصحراء‭ ‬“فرنسا،‭ ‬إسبانيا،‭ ‬ألمانيان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭...‬“‭ ‬مع‭ ‬تسجيل‭ ‬عودة‭ ‬الحليف‭ ‬الأمريكي‭ ‬القوي‭ ‬للمغرب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬دفة‭ ‬التسيير‭ ‬مع‭ ‬استئناف‭ ‬المغرب‭ ‬لعلاقاته‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭...‬،‭ ‬فإننا‭ ‬نلاحظ‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬استمرارا‭ ‬مهولا‭ ‬لوضعية‭ ‬العزلة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تخنق‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬قد‭ ‬ارتبط‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬بمحور‭ ‬إيران‭ ‬–‭ ‬روسيا،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يجاهر‭ ‬بمساندة‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬السورية،‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬مرور‭ ‬الغاز‭ ‬القطري‭ ‬نحو‭ ‬دول‭ ‬أوربا‭ ‬الغربية‭ ‬كي‭ ‬تستمر‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬اقتصاديات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬عبر‭ ‬أنابيب‭ ‬نورد‭ ‬ستريم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬له‭ ‬عداوات‭ ‬مجانية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ومع‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬كذلك‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬المغرب،‭ ‬قد‭ ‬حاصر‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬معزولة‭ ‬عن‭ ‬عمقها‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطي‭ ‬أيضا‭ ‬بعد‭ ‬الانهيار‭ ‬الفادح‭ ‬لحلفائها‭ ‬الروس‭ ‬والإيرانيين،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬لدى‭ ‬رفاق‭ ‬شنقريجة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬هبوب‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬نحو‭ ‬الجزائر‭ ‬نفسها‭.