جامعة القرويين

في فاس وبدعوة من مؤسسة مغرب التراث ..... تابعت محاضرة قيمة لعميد كلية القرويين الأستاذ آمال جلال... تحدث المحاضر عن أقدم جامعة في العالم وعن الإصلاحات التي عرفتها طيلة عدة قرون وعن استمرار التدريس فيها ما يزيد عن ألف سنة.. ذكر بأنه إلى جانب الدراسات الإسلامية المختلفة شهدت رحاب الجامعة حلقات لتدريس عدة علوم منها الطب العادي والنفسي إعداداً لأطر تتحمل مسؤولية تدبير المارستانات الموجودة في عدة مدن مغربية خاصة في عهد المرينيين... في القرويين تم تدريس الصيدلة اعتماداً على الأعشاب والحساب لإعداد القضاة والعدول الذين عليهم أن يباشروا تقسيم الإرث وتعقيداته.... كذلك تم تدريس التاريخ وعلوم الاجتماع والجغرافيا وعلوم التنجيم لتحديد القبلة وأوقات الصلاة وطرقات القوافل.

في القرويين درس طلبة من المغرب وخارجه من المسلمين واليهود والنصارى وتخرجوا منها وحملوا علومها إلى أنحاء العالم كالإدريسي صاحب أول خريطة للعالم، وابن بطوطة ورحلته المكوكية وابن خلدون ومقدمته الشهيرة وابن رشد وانفتاحه الفكري وابن باجة والقاضي عياض والأندلسي ابن الخطيب وغيرهم ممن درسوا أو استرشدوا بالقرويين.

قصر المؤتمرات

في فاس هذه المرة كان علي أن ألقى محاضرة حول المسيرة الخضراء وذلك بدعوة من «جمعية فاس سايس». عندما وصلت إلى قصر المؤتمرات رجعت بي الذاكرة إلى ما احتضنته هذه البناية الضخمة من مؤتمرات قمة واجتماعات للجنة القدس برئاسة المرحوم الحسن الثاني... في هذه القاعة التي وقفت فيها محاضرا تم ميلاد أكاديمية المملكة المغربية يوم 21 أبريل 1980 تحت رئاسة مؤسسها جلالة الملك الحسن الثاني.

على خلاف المحاضرات السابقة بدأت بالتذكير بأهم الأحداث التي عاشها المغرب على مدى مائة عام وأسباب دخول القوات الاستعمارية ومقاومة الشعب المغربي وتأسيس الحركة الوطنية وإعداد وثيقتي المطالبة بالاستقلال واللتين تم تحريرهما في فاس من طرف خريجي جامعة القرويين... أبرزت خطورة التحالف الثلاثي ضد وحدة المغرب الترابية حين ارتبطت الجزائر الثورية مع نظام فرانكو الرجعي وقيادة موريطانيا مرتبكة وكيف كان على المغرب أن يواجه مؤامرات الدول الثلاثة.....

ذكرت باسترجاع المغرب الطرفاية سنة 1958 وخطاب محمد الخامس في محاميد الغزلان في نفس السنة واسترجاع إفني سنة 1969 والمغرب يعيش إذاك حالة الاستثناء... أطلت الحديث عن الاستعدادات السياسية والعسكرية والدبلوماسية الإسبانية لإعداد الأجواء لتنظيم استفتاء يربط الصحراء بإسبانيا ويفسح المجال أمام حصول الجزائر على منفذ على المحيط الأطلسي... تحدثت بعد ذلك عن الاستراتيجية التي اتبعها الحسن الثاني لتجميد المشروع الإسباني وإرغام حكومة مدريد على التفاوض... ذلك أنه اتجه في البداية إلى محكمة العدل الدولية وخطط للمسيرة الخضراء وما رافقها من مفاوضات... وأشرت إلى أن نجاحها اعتمد السرية في إعدادها إلى جانب استعدادات لوجيستيكية ضمنت نقل وإيواء وإطعام 350 ألف متطوع ومتطوعة...

جماعة تطوان

بعد ذلك وبدعوة من جماعة مدينة مدينة تطوان انتقلت إلى الحمامة البيضاء، زرت معرض يوجد في نفس البناية وقد تضمن مئات الوثائق التي يعود تاريخها إلى عهد الحماية الإسبانية وما قبلها، وهي وثائق تخص الأحوال الشخصية والمعاملات التجارية ودور الجالية اليهودية التي كان لها حضور متميز في تطوان. وبالمناسبة زرت المدينة القديمة وتجولت في أزقتها الضيقة ووقفت على العديد من آثار التاريخ العريق للمدينة التي سماها البعض بغرناطة الصغيرة.

وكما حاضرت في فاس فأمام نخبة من العمداء والبرلمانيين والمنتخبين والجامعيين ألقيت محاضرة في موضوع المسيرة الخضراء ركزت على ما عاشته مدينة تطوان في ثلاثينيات القرن الماضي من نهضة ثقافية وإبداعية وصحافية... ذلك أنه في العقد الثالث صدرت في تطوان تسع مجلات وصحف وعاشت المدينة على وقع نشاط ثقافي ومسرحي بوأتها الصدارة.

ذكرت بأن أول وثيقة للمطالبة بالاستقلال انطلقت من تطوان التي تأسست بها كتلة العمل الوطني قبل كتلة الجنوب في المنطقة السلطانية.

أبرزت دور تطوان في دعم المقاومة المسلحة المغربية إبان نفي محمد الخامس واستقبال الفدائيين وتسريب السلاح إلى المقاومين وأكدت أن الطلائع الأولى لجيش التحرير المغربي نشأت في ضواحي المدينة وكذا وحدات جيش التحرير الجزائري.

وانتقلت للتذكير بالأعداد اللوجيستيكي للمسيرة الخضراء وضرورة توفير مليون خبزة يوميا وإعدادها ونقلها إلى جانب مئات الأطنان من الماء الصالح للشرب. أكدت أن طرفاية كونت صورة وفية للمجتمع المغربي بكل خصوصياته وأن روح تمغربيت كونت الأسمنت المسلح الذي ضمن الوحدة والصمود والقدرة على المواجهة... ولم أنس الحديث عن دور الإعلام في دعم الاستراتيجية المغربية خاصة بعد أن تم تأسيس إذاعة جهوية في طرفاية أطلق عليها إذاعة التحرير والوحدة إلى جانب محطة تلفزية محلية...

منذ قرون

في أزقة فاس وأزقة تطوان تشعر بالتشابه بين المدينتين وبالعبقرية المغربية في التعايش والإبداع وبالقدرة على الحفاظ على التراث المادي واللامادي.

ذلك أنه بتعليمات من جلالة الملك محمد السادس تم إصلاح وترميم المدينتين التاريخيتين فتحولنا إلى معرض مفتوح للحضارة المغربية بكل تخصصاتها مما يجعلك تتجول في نفس الأجواء التي تجول فيها قدامى المغاربة منذ قرون.... تطوان وفاس شهادة حية على غنى وعمق التاريخ المغربي.