بمشاركة باحثين، أكاديميين، وإعلاميين، نظمت الجمعية المغربية للناشرات والإعلاميات، بشراكة مع المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال يوم الأربعاء 27 نونبر 2024، بالرباط، ندوة علمية تفاعلية حول " التربية على وسائل الإعلام والاتصال رؤى متقاطعة".
سعيد بنيس، الاستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس، يرى أن الإعلام الجديد الذي فرضته التكنولوجيا الحديثة، أسس لمبدأ التسيب، وخلق احتباسا افتراضيا، "ديجيتاليا".
وأضاف سعيد بنيس أنه "بالولوج إلى العالم الرقمي دخلنا إلى حثمية مجتمعية هي التربية على الميديا، لسنا في حاجة لإصلاح منظومة التعليم، بل صارت الملحة هي الولوج إلى الإعلام الإلكتروني"، مشيرا إلى أن جميع الإصلاحات التعليمية تتجه نحو ربط الجامعة بسوق الشغل، لكن الضرورة اليوم، تفرض ربط المدرسة بالقيم، فالمواطنون يتعايشون في العالم الافتراضي، وبات من أدوار الإعلام تصويب انحراف المشروع المجتمعي، والانتقال من المرتكز التعليمي، إلى مرتكز التربية على وسائل الإعلام.
من جانبها، أثارت الإعلامية والباحثة، منية المنصور، ضبابية الانتقال إلى الرقمي، مشيرة إلى أن العالم الافتراضي، صار اليوم يخلق أزمة حقيقية مع الذات، بل خلق نوعا من العزلة الذاتية، حيث صار "السيلفي"، ونشر الصورة وسيلة استجداء للتعليقات، وبالتالي الخروج من العزلة.
وشددت المتحدثة ذاتها على ضرورة التربية على وسائل الإعلامية، وخلق بيئة تعليمية موازية للبيئة الرقمية، وهو دور المدرسة، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، من أجل التسلح بأدوات رقمية، حيث صار اليوم الحقل العلمي مطالب بالبحث في هذه المواضيع التي تعرف قصورا نظريا كبيرا بالنسبة للرقمي.
وأشارت منية المنصور، إلى ضرورة الإقرار بأن الإعلام الرقمي صار يتحكم في حياتنا، يقرر في أذواقنا، ويعيد تشكيل الجغرافيا، فاليوم صرنا نتحدث عن حتمية رقمية لايمكن اعتمادها كوسيلة فقط، حيث يظهر آثار التكنولوجيا بشكل جلي على الإعلام.
من جانبه، انتقد عبد العزيز كوكاس، الكاتب الإعلامي، ما يعرفه المشهد الإعلامي الحالي، الذي اكتسحته الرقمنة، وثورة التكنولوجيا، ووباء كورونا، وزمن اللايقين، مشددا على ضرورة تطوير اللغة لفهم ما يحدث اليوم أمام توالد كثير من المواقع، وظهور تجار الإعلام الذين اكتسحوا المشهد بشكل طوفاني، مما يسفر عن انتشار الأخبار المظللة، في اضطراب للميكانزمات، حيث يعيش ثلثي المغاربة في زمن افتراضي.
وأضاف عزيز كوكاس أن هذا التحول أفرزه تواصل أفقي، "كانت هناك بنيات قانونية مسطرة في الإعلام، قسم التحرير..، القسم التقني، قسم الإشهار، التوزيع....، اليوم انهدمت هذه البنية، ليس في الإعلام فقط، بل في الإدارات أيضا، حيث تتفتت المعاملات التجارية الكبرى، فصارت تجرى خارج المؤسسات الإدارية بسبب الاكتساح الإلكتروني، واكتساح الميكروفونات.
ووصف كوكاس ما يسمون بـ"المؤثرين"، بفقاعات الرأي، هم عابرون، وظواهر لا يمكن أن نبني عليها أي تصور، ولا يمكن أن نؤسس لتربية إعلامية بناء على هذه الفقاعات وأثار يونس مسكين مدير موقع صوت المغرب، مخاطر وتحديات الرقمنة المتجددة، مشيرة إلى أن " التكنولوجيا الحديثة فرضت التغيير، وصرنا في لحظة يحدث فيها هدم كل ما سبق، نزعم أننا حققنا الانتقال، نعرف منطلقنا، لكن لا نعرف أين ننتهي، فالعبرة في النقاش حول المعلومة بالخصوص.
وأضاف أن الإنسان المعاصر صار همه هو كيفية الحصول على المعلومة الصحيحة، هو هدف الصحافة، اليوم هناك زحف رقمي، لكننا لازلنا نعالج هذا القطاع بآليات قديمة.
وعن دكتاتورية الصورة، واندثار الكتابة، أكدت فدوى ماروب، جامعية، رئيسة جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان، على ضرورة التربية على وسائل الإعلام، خصوصا هذا الجيل الذي ولد وسط التكنولوجيا، ولد يحمل الهاتف، وشددت على أن المحتويات المتواجدة اليوم تسائل المؤسسات، عن محتويات بديلة.
وأشارت فدوى مروب بناء على نتائج بحث قامت به خلال الحملة الانتخابية 2021 في إطار رسالة الدكتوراه، أن الصورة صارت مهيمنة على العالم الإفتراضي، ومواقع التواصل الاجتماعي، فيما الكتابة ضعيفة، بل هيمنت الدارجة وبعض الأمازيغية على تلك الكتابات.
من جانبه، قال جمال المحافظ، رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال:" افتقدنا إلى الصحفي"، مشددا على أنه لا يمكن الحديث عن ثورة رقمية بشكل عام، ومن الضروري استحضارها، أو طرحها في سياقها، باستحضار ظهور هؤلاء الفاعلين الجدد.
واعتبر جمال المحافظ أن ما يحدث مع المد الرقمي يعتبر ثورة ثالثة بعد ثورة الكهرباء، والثورة الصناعية، مبرزا أن الثورة الرقمية تطرح عدة تحديات لا يمكن إيقافها بالتربية على وسائل الإعلام.
وتقد الكاتب والإعلامي بعدد من المقترحات، مشيرا كمبدأ أولي إلى تدريس التربية الإعلامية للجيل الجديد بالخصوص، وإصلاح مؤسسات التكوين، حيث هناك مجهودات لكنها ضعيفة، وبالتالي من الضروري حماية منصات التواصل الاجتماعي كوسائل التعبير، التي صارت آلية للتواصل.
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة إصلاح الإعلام العمومي، وإصلاح الجامعات، مشيرا إلى وجود قصور في المضامين، ونقص في الأبحاث في مجال الإعلام.