
بعد نجاح المغرب في رهان تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم "مونديال 2030"، بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، تعود مشاريع تشييد ثمانية ملاعب، بمواصفات دولية، إلى الواجهة، على رأسها مشروع الملعب الكبير لمدينة الدار البيضاء، الذي سيقام في تراب إقليم بن سليمان باستثمار مالي كبير بهدف تدعيم وتطوير البنية التحتية لكرة القدم الوطنية في المملكة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الحاجة إلى ملعب ضخم يسع لـ 115 ألف متفرج بغاية التنافس على احتضان مباراة الافتتاح أو الاختتام للمونديال الثلاثي، ومصيره بعد نهاية الحدث الكروي، ومدى استفادة جماعة المنصورية من هذا الصرح الضخم؟
استثمار مالي ضخم من أجل الظفر بمباراة نهائية
انطلقت أشغال بناء ملعب الدار البيضاء الكبير الذي سيتسع لـ 115 ألف متفرج، على مساحة تمتد إلى 100 هكتار، في منطقة ابن سليمان وتحديدا بتراب جماعة المنصورية بعيدا عن الدار البيضاء بحوالي 38 كيلومترا، استعدادا لاحتضان مباريات كأس العالم 2030 بالاشتراك مع كل من إسبانيا والبرتغال، من المتوقع أن تصل تكلفة هذا الملعب الرياضي، الذي شرع في بنائه، إلى أكثر من 500 مليون دولار (500 مليار سنتيم).
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قد وقع يوم 20 أكتوبر من العام 2023، اتفاقية شراكة بين الحكومة وصندوق الإيداع والتدبير، لتمويل برنامج تأهيل ستة ملاعب لكرة القدم، من بينها ملعب بن سليمان.
التزمت الحكومة بتوفير مصادر تمويل تأهيل وبناء الملاعب التي ستحتضن مباريات نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2025،وكأس العالم 2030، وعهد لفوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية بصفته رئيسا للجنة تنظيم مونديال المغرب بتتبع ملف الملعب الجديد الذي قال عنه إنه «مشروع يعد بإشعاع رياضي واقتصادي».
وتسعى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم جاهدة لتمكين هذا الملعب من استضافة نهائي كأس العالم 2030، خصوصا في ظل الضغط الإسباني لإقامة المباراة النهائية في مدريد. علما أن الفيفا لن تمنح إسبانيا أكثر من عشرة ملاعب، بينما سيتم اختيار ثمانية ملاعب أخرى بين المغرب والبرتغال، حيث تقدم المغرب بستة ملاعب وستة مدن، بينما البرتغال أكتفت باقتراح ثلاث ملاعب فقط. وهو ما يطرح تساؤلا كبيرا حول سر الاستثمار المالي الضخم في ملعب من أجل التنافس على استقبال مباراة نهائية، وعن جدوى بناء ملعب بهذا الحجم دون التفكير في مصيره ما بعد انتهاء دوره بعد. 2030
هل يتحول ملعب بن سليمان إلى ملعب شبح؟
في الوقت الذي يرحب فيه المشجع العادي العاشق للمنتخب المغربي بإنشاء ملعب ضخم، يرى عبد الرحمان منوري، الباحث في اقتصاد الكرة، إن هذا النقاش قد دار بحدة قبل احتضان البرازيل لمونديال 2014، لأن "الدولة المغربية تستثمر ميزانيات كبيرة في ملاعب بمردود اقتصادي ورياضي هزيل، ومرافق تشتغل مرة كل أسبوع، تقتصر على احتضان مباريات دولية متباعدة"، وتساءل عن مدى استفادة إقليم بن سليمان من هذا المرفق الضخم، علما أنه يستحيل على فريق المدينة استغلال الملعب وهو الذي يمارس في قسم الهواة إلى جانب فريق المنصورية، مؤكدا أنه في ظل الوضع الحالي يستحسن الاستثمار في البنيات التحتية ذات الارتباط المباشر بالمعيش اليومي للمواطن.
من جهته تساءل سعد لله ياسين، المدير السابق لمركب محمد الخامس، عن آثار هذه المنشأة الرياضية ما بعد مونديال 2030 وانعكاساتها على الساحة الرياضية المغربية وعلى المتفرج المغربي، مشيرا إلى ظهور إكراهات أخرى: «هل سيتم التفكير في ربط الملعب بشبكة مواصلات تسهل عملية الوصول إليه مستقبلا. علينا أن نعلم أن هذا الملعب بسعة 115 ألف متفرج لا يمكن لفريق أن يستقبل فيه نظرا لمصاريفه إلا المنتخب الوطني المغربي. في اعتقادي من الصعب برمجة مباريات أخرى في هذا الملعب، وأحيلكم على أمثلة لملاعب بسعة أقل ولا تشهد حضورا جماهيريا كبيرا في مجموعة من المناسبات فما بالك بالملعب الكبير للدار البيضاء بمرافقه وتجهيزاته وما تكلفه من ميزانية وهو الأمر الذي سيثقل كاهل الأندية المغربية».
وقدمت فعاليات رياضية واقتصادية تحويل المرفق إلى قرية رياضية تتضمن فندقا وملاعب فرعية لاستقبال معسكرات الفرق المغربية والأجنبية خاصة في ظل جودة المناخ في المنطقة، وتحويل هذه الفضاءات لمساحات ترفيهية، ومطاعم وحدائق للأطفال، خاصة وأن المشروع يمتد على مساحة 100 هكتار.
وقدمت نفس المصادر مقترحات للحد من إهدار المال العام في منشئات رياضية غير مدرة للدخل، الغاية منها تلميع الصورة وتعزيز ملف استضافة المغرب للمباراة النهائية لكأس العالم. واقترح الإعلامي المهدي الدراز القطع مع الملاعب الضخمة والتفكير في ملاعب متوسطة السعة: «كثر القيل والقال حول سعة الملعب بحيث ذهب البعض للتساؤل: لماذا لا يتم تشييد ملعب بسعة 80 ألف متفرج وبجانبه ملعب آخر بسعة 30 ألف»؟
مصير ملاعب احتضنوا صخب المونديال
عاشت البرازيل بعد انتهاء منافسات كأس العالم 2014، قلقا كبيرا بسبب مستقبل الملاعب الكبرى التي احتضنت المونديال، حيث عجزت عن الاستفادة من أربعة ملاعب أنشئت بكلفة مالية عالية، لكون المدن التي شيدت عليها تملك أندية صغيرة ولن تتمكن من ملء مدرجات هذه الملاعب، وهو ما ينطبق على ملعب بن سليمان في ظل الحضور الباهت لفريقي الإقليم في المنافسات الرسمية.
ووصفت صحيفة «فولها دي ساو باولو» قرار بناء ضخمة ومكلفة لحدث عابر «قرار مجنون»، إلى درجة خروج حراك في البرازيل يندد بإهدار المليارات ويطالب بمزيد من الاستثمارات في مجالات الصحة والتعليم والنقل".
نفس القلق سيطر على المسؤولين في جنوب إفريقيا، بسبب مصير الملاعب التي احتضنت مونديال 2010، وسبل توفير الميزانيات اللازمة لصيانتها، لاسيما أن كرة القدم في جنوب إفريقيا ليست رياضة شعبية. وسبق لأستاذ الاقتصاد الرياضي محمد قعاش إن جنوب إفريقيا «ظلت تبحث عن وسائل بديلة للاستفادة من تلك المنشآت الرياضية، لتعويض نفقات البناء والصيانة». إضافة لمساهمة المونديال في توسيع الهوة بين الطبقات الاجتماعية.
من جهتها تساءلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن موعد تنفيذ قطر للوعود التي قطعتها بشأن ملاعب كأس العالم لكرة القدم 2022، التي من المفترض أن يتم تقليص سعتها حسبما ذكرت اللجنة المنظمة. وقالت إنه «لا توجد أي مؤشرات توحي بتنفيذ قطر لوعودها بتفكيك وتقليص سعة بعض ملاعب البطولة». لكن الرد جاء من الحكومة القطرية التي أوقفت وعود «التبرع» بمدرجات هذه الملاعب لدول نامية إلى ما بعد استضافة قطر لنهائيات كأس آسيا لكرة القدم التي احتضنتها في يناير 2024. كما تدرس إمكانية استضافة دورة الألعاب الأسيوية سنة 2030، علما أن بلدا صغيرا ليس في حاجة لثمانية ملاعب من الحجم الضخم.