كشف عبد الله بادو، الرئيس السابق للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة "أزطا"، أنه بعد ما يزيد على أربع سنوات من صدور القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية، لا وجود للأمازيغية من بين أولويات البرنامج الحكومي، كما أنها لم تعد مخططات قطاعية كما ينص على ذلك القانون التنظيمي، مضيفا في حوار مع جريدة "أنفاس بريس"، أن التأخر في إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية فتح باب التأويلات وسمح بكل التجاوزات التي يشهدها مجال السياسة اللغوية والثقافية.
ما رمزية الاحتفاء بـ "إض يّنّاير" لأوّل مرة عطلة رسميّة ويوم مؤدّى عنه؟
لا يمكن إلا اعتبار الاعتراف الملكي برأس السنة الامازيغية عيدا وطنيا إلا مكسبا وطنيا استجابة لمطلب تاريخي للحركة الأمازيغية وإقرار رسمي من أعلى مؤسسة بالعمق التاريخي للدولة المغربية وبمركزية البعد الامازيغي في الهوية المغربية، كما أنه دفعة قوية لمسار النهوض بالأمازيغية في المغرب، وهذا تتويج للمنجزات المحققة في هذا المجال خلال العشرين سنة الأخيرة.
ويعدّ هذا القرار استمرارا لروح خطاب أجدير 2001 والذي تم الإقرار فيه بأهمية المكون الأمازيغي إلى جانب باقي المكونات المشكلة للهوية الوطنية المتعددة والمتنوعة. حيث أكد فيه الملك محمد السادس أن “النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية. كما أنّ عليها، انطلاقا من تلك الجذور، أن تنفتح وترفض الانغلاق، من أجل تحقيق التطور الذي هو شرط بقاء وازدهار أيّ حضارة. والذي كان مناسبة لإطلاق العديد من المبادرات والأوراش لإدماج الأمازيغية في مجالات مهمة كالتعليم والإعلام....
ما هو تقييمكم لما تحقق من قبل الحكومة الحالية في تنمية اللغة الأمازيغية في المغرب؟
مرت اليوم أكثر من سنتين على تنصيب الحكومة الحالية. والتي روجت لشعارات رنانة خلال الحملة الانتخابية وخلقت انتظارات لدى نسبة مهمة من الفاعلين الأمازيغيين، لكن للأسف اليوم حصيلتها في مجال الأمازيغية هزيلة وضعيفة ولا ترقى إلى مستوى الانتظارات، ممّا يؤكد كونها تفتقد إلى استراتيجية وأنها لا تتوفر على خارطة طريق واضحة لتنزيل شعاراتها والوفاء بالتزاماتها.
اليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن على دسترة اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد، نجد وللأسف الشديد كل السياسات العمومية والترابية كرست دونية اللغة الأمازيغية وثانويتها في التراتبية اللغوية التي أقرتها الدولة المغربية في مختلف المجالات التي كان من المفروض أن تحرص على أن تمكن اللغة الأمازيغية من المكانة والوظائف التي ستخول لها ملء وظيفتها وأدوارها كلغة رسمية فعلية الى جانب اللغة العربية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نجد وبعد ما يزيد على أربع سنوات من صدور القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية، أن لا وجود للأمازيغية من بين أولويات البرنامج الحكومي، كما أنها لم تعد مخططات قطاعية كما ينص على ذلك القانون التنظيمي 26-16 في مادته 32 والتي تقول بالحرف ''تقوم القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيآت الدستورية بوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية، في الميادين التي تخصها، وذلك داخل أجل لا يتعدى ستة أشهر ابتداء من تاريخ نشر هذا القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية''. والغريب أن الحكومة الحالية لحدود اليوم لم تكشف عن تصورها ورؤيتها لتدبير الملف كما أنها لم تحدد درجة التزامها باحترام الدستور والقانون التنظيمي، والأدهى أن السيد الرئيس في لقاء مع ما سمي "الفعاليات الأمازيغية" يوم 18 أكتوبر 2022، مع كل التحفظ على حيثيات ومنهجية إعداد وتدبير اللقاء ومخرجاته، لم تبرح مستوى الاعراب عن النيات دون المرور إلى مستويات الالتزام بالأجرأة والتفعيل الحقيقيين للغة الأمازيغية.
على العموم تبقى حصيلة الحكومة جدّ باهتة في شتى المجالات التي نص عليها القانون التنظيمي باعتبارها ذات الأولوية، رغم الشعارات الرنانة التي أطلقها الحزب الحاكم، ورئيس الحكومة في خرجاته المعدودة والتي عبر فيها عن التزام الحكومة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ويمكننا تقديم عشر مؤشرات تبين التراجعات وحجم النكوص والتقصير الذي لحق الأمازيغية في ظل الحكومة الحالية، وهي كالتالي:
أولا: الحكومة أجهزت وأعدمت المخطط الحكومي المندمج الذي أعدته حكومة العثماني وخارطة الطريق التي أعدها الوزير أمزازي في آخر ولايته، ولم تكلف نفسها أن توضح الأسباب والدوافع وراء ذلك. مما يشكل هدرا للزمن السياسي، وغياب استراتيجية لرسملة الجهود والتجارب وترصيدها، في ظل الحديث عن وثيقة "صورية" تضم 25 اجراء وتدبير.
ثانيا: تجميد اللجنة البي-وزارية المكلفة بتتبع تدبير ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية والتي تشكلت خلال الولاية السابقة وعدم تفعيلها، ودون احداث آليات للتنسيق وتتبع الملف منذ تشكيل الحكومة الحالية الى يومنا هذا. والذي انعكس بشكل سلبي على تدبير الملف بشكل عام.
ثالثا: عدم احترام الدستور والتنصل من تفعيل القانون التنظيمي 16-26 بالتهرب من تنزيل مقتضياته الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية، وهذا يعد ضربا صارخا لدولة المؤسسات، ويعصف بكل الجهود والتراكمات التي حققتها الدولة والحكومات السابقة في صلة مع الأمازيغية.
رابعا: عدم تفعيل القانون التنظيمي 04-16 الصادر بتاريخ 30 مارس 2020 الخاص بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والذي يعد مؤسسة دستورية وطنية مستقلة مرجعية في مجال السياسة اللغوية والثقافية، هذا التأخير والتماطل في احداثه فتح باب التأويلات وسمح بكل التجاوزات التي يشهدها مجال السياسة اللغوية والثقافية.
خامسا: غياب برنامج أو خطة عمل واضحة تتبناها الحكومة لتنفيذ التزامات الدولة تجاه الأمازيغية كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، اذ لا يمكن الحديث عن توفر إرادة سياسية للحكومة في ظل غياب التزامات وإجراءات عملية وواضحة للنهوض باللغة والثقافة الأمازيغية.
سادسا: التأخر في إطلاق مشاورات حكومية منذ تنصيب الحكومة الحالية، حيث لا تعتمد المقاربة التشاركية في تدبير ملف الأمازيغية اذ عملت على استبعاد الجمعيات والمنظمات المدنية التي تترافع حول الملف وتتهرب من مأسسة آليات حوار وتشاور حقيقة وفعالة، تهربا من أي التزام قد يورطها في حال اشراكهم في التفكير في مستقبل اللغة الامازيغية
سابعا: ضعف الفاعلية في شتى المجالات، حيث عرفت جميع مجالات تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية تراجعات خطيرة تنبئ بمستقبل اسود للغة الامازيغية، خاصة في مجالات التعليم والإعلام، الإدارة والمرافق العمومية: بطء وتيرة تعميم تدريس اللغة الامازيغية، عدم استعمال الامازيغية في الإدارة والمرافق العمومية، استمرار ممارسات تميزية في استعمال اللغة الأمازيغية في التشوير ... الخ.
ثامنا: التحايل وتعويم الصندوق الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، داخل صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية، والذي لحدود الساعة لم ينشر برنامجه السنوي ولا حصيلة أعماله كما ينص المرسوم المحدث للصندوق، مما يكرس للضبابية وغياب الشفافية في تدبيره.
تاسعا: هدر الزمن الحكومي في مجال تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية، من خلال ضعف استمرار التراكمات المنجزة من طرف الحكومات والمؤسسات، الى جانب ضعف التنسيق بين مكونات الحكومة حول سبل وكيفيات تدبير ملف الامازيغية، وغياب الالتقائية بين مختلف المتدخلين القطاعيين مما يسهم في هدر الطاقات والإمكانات والجهود ويحول دون رسملتها وترصيدها ترشيدا للوقت والجهد والامكانيات.
ما المطلوب فعله من قبل الدولة بعد هذا الإقرار الرسمي؟
الحكومة اليوم مطالبة بمأسسة عملها في مجال تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية احتراما لدستور المملكة وللتعاقدات التي يؤسس لها وتحقيقا لغاياته والتي تسعى بتمكين اللغة الامازيغية من لعب أدوارها مستقبلا كلغة رسمية للبلاد، من خلال تسريع وتيرة عملها في شتى المجالات بالعمل على:
* إعداد ميثاق وطني للغات والثقافة يدقق خارطة الطريق لبناء مغرب التعدد والتنوع، ويؤسس لتعاقدات حقيقية بين جميع المغاربة.
* إعداد مخطط مندمج لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بغايات وأهداف واضحة ودقيقة، تتم ترجمتها لخارطة طريقة تضم تدابير وإجراءات دقيقة قابلة للتتبع والتقييم والقياس.
* إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية نظرا لمهامه وأدواره لاستراتيجية في سن وتدبير السياسات اللغوية باعتباره المؤسسة المرجعية الدستورية في هذا المجال.
* إحداث صندوق خاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية وتعزيز حكامته وشفافية تدبيره، وإحداث لجنة استشارية تضم ممثلي القطاعات الوزارية المعنية وممثلين عن المجتمع المدني الفاعل في مجال الأمازيغية.