شيعت زوال الأربعاء 29 نونبر 2023 جنازة الصحفي المغربي الكبير عبد اللطيف جبرو بمقبرة الشهداء بالرباط، بحضور جماهيري نوعي هام، بعد أن أسلم الروح لباريها، الثلاثاء 28 نونبر 2023، بعد معاناة طويلة مع المرض. المرض الذي لم يمنعه أن يواصل الكتابة بإصرار حتى آخر يوم من حياته (حيث نشر آخر عمود صحفي له بيومية "الأحداث المغربية" في ذات يوم وفاته).
عبد اللطيف جبرو حالة خاصة ومتميزة في قصة الصحافة المغربية، مكنته أن يكون قامة لوحده لا نظائر لها أبدا. فقد كان رحمه الله كما عرفته على مدى 37 سنة، صاحب منهجية وأسلوب وتقنيات صحفية لم يقلد فيها أحدا ولم يقلده فيها أحد. مما يجعله صوتا متميزا باختلافه المهني والأسلوبي. وأكاد أجزم أنه صاحب نوع من "القصة الخبرية" التي تشتغل على الوثيقة وصاحب عمود رأي (اشتهر لسنوات بعموده في يومية "الإتحاد الإشتراكي المغربية" بعنوان "آخر الكلام" قبل أن يصبح صاحب عمود رأي بيومية "الأحداث المغربية" منذ صدورها سنة 1997)، وأزعم أنه منتم لتجربة الكتابة المصرية على العهد الناصري بفطاحلتها الكبار.
إن المرء ليجزم بدون تردد أن هناك بعض الناس يولدون ليكونوا صحفيين (دون حاجة لديبلوم صحفي أكاديمي) وسي عبد اللطيف واحد منهم. لأنه يمتلك فطنة ودهاء ومكر الصحفي، بكل ما خلقه له ذلك من خصومات ومشاكل حتى مع من كان يُعتقَدُ أنهم من تياره السياسي. وهذا لعمري من عناوين قوة أي ممارس لمهنة "مؤرخ اليومي" التي هي الصحافة، أنه مرغوب ومطلوب ويخشى منه في الآن نفسه. فقدر الصحفي أن يقلق السياسي دوما.
حكاية جبرو رحمه الله مع الصحافة تعود إلى بداية الخمسينات وهو لما يزل شابا في 16 من عمره، اقتنصته فراسة الشهيد المهدي بنبركة ضمن الشبيبة المدرسية الإستقلالية، حيث كانت أول بداياته ضمن جريدة "الشباب" لسان حال ذلك التنظيم الشبابي والسياسي، التي كان يديرها الأستاذ عبد الكريم الفلوس (الذي هو من هو في تاريخ الحركة الشبيبية الوطنية الإستقلالية وفي تاريخ الكشفية المغربية. وكذا ضمن ذاكرة المدارس الوطنية الحرة بالمغرب خاصة مدرسة جسوس الشهيرة بالرباط لصاحبها الوطني المغربي الكبير أحمد بلافريج). ثم تلتها تجربة أخرى ضمن مجلة "المشاهد" التي كان يديرها الراحل مصطفى العلوي، وتوالت بعدها تجاربه الصحفية ضمن صحافة اليسار الحزبية في يوميات التحرير/ الأهداف/ فلسطين/ المحرر/ الإتحاد الإشتراكي. قبل أن يلتحق بيومية الأحداث المغربية (ضمن الصحافة المغربية الخاصة. وليس المستقلة لأنه مصطلح غير دقيق كما يكتب الكثيرون، لأنه أصلا لا استقلالية في الصحافة. فالصحافة، أية صحافة، هي تعبير عن موقف ودفاع عن مصلحة ما).
ظل جبرو رحمه الله يصدر عن ثقافة مدينية تمنحها طبيعة التربية السلوكية للعائلات الرباطية ذات الإرث الأندلسي والموريسكي، حيث منحته أسلوبا في الحياة منقوع في براغماتية جد راسخة زودته بما يحتاجه الصحفي الناجح ألا وهي "الجرأة". الجرأة في دفع الأبواب وليس فقط طرقها للوصول إلى مبتغاه المهني والمعلومة التي تعزز كتابته. فقد كان جبرو دوما يعرف أهدافه التي يريد وكان يذهب إليها رأسا بلا التواء وبجرأة، أعجب ذلك الآخرين أو لم يعجبهم. فكان من الجيل الذي منح لمهنة الصحافة رونقا مغربيا فريدا، مسنودة بمصداقية مهنية ذات سقف أخلاقي مهني رفيع. بل حتى أسلوبه الصحفي قد منحه أن يكون شخصية مختلفة ضمن باقي نجوم الصحافة المغربية، لأن الصحفي هو شخصيته الأسلوبية في ناهية المطاف. وجبرو انتصر منذ بداياته (ابتدأ بالمناسبة صحفيا يكتب في المجال الفني من سينما ومسرح وغناء، قبل أن يتخصص في الكتابة السياسية)، أقول انتصر دوما لخيار الكتابة الصحفية المصرية تلك التي اختارت أن تصدر على الناس بلغة ثالثة (بين العربية الفصحى واللهجة العامية) حتى يفهمها الوزير والغفير. فكان أسلوبه حكواتيا (ليس بمعنى الحلقة الشعبية أبدا)، ينتصر للجملة القصيرة ولبناء قصة الخبر.
حرصت دوما على قراءته بلا انقطاع أينما كتب. وليس مهما أن تتفق أو تختلف مع ما يكتبه، فالأساسي هو أنه يفرض عليك احترامه وهذا أكبر رأسمال للصحفي.
كانت لي معه مودات كثيرة في مناسبات وسماوات مختلفة، حيث ظل يصدر دوما عن أسلوبه التواصلي الخاص (حيطة المديني الموريسكي)، لكنه كان صاحب نكتة ومشاغبا من نوع مختلف وخاص. مثلما جمعت بيننا صداقات مشتركة مختلفة وكذا مصادر عائلية في الدار البيضاء والرباط، حيث لجبرو رحمه الله وفاء صوفي للعائلة (خاصة مع شقيقاته).
سيظل خالدا في ذاكرة الصحافة المغربية اسمه، على القدر نفسه الذي سيظل خالدا في ريبرتوارها أن عبد اللطيف جبرو أكثر الناس الذي صان ذاكرة الشهيد المهدي بنبركة كتابة ووثق سيرة الزعيم المغربي الكبير ذاك من خلال كم الكتب التي أصدرها حوله، وهذه لوحدها تشفع له اسما مهنيا محترفا ومحترما، بكل ما تتطلبه توابل هذه المهنة (العاقة على الكثير من أبناءها بالمغرب) من جرأة ومكر وفطنة وأسلوب كتابة.
وداعا سي عبد اللطيف.
عبد اللطيف جبرو حالة خاصة ومتميزة في قصة الصحافة المغربية، مكنته أن يكون قامة لوحده لا نظائر لها أبدا. فقد كان رحمه الله كما عرفته على مدى 37 سنة، صاحب منهجية وأسلوب وتقنيات صحفية لم يقلد فيها أحدا ولم يقلده فيها أحد. مما يجعله صوتا متميزا باختلافه المهني والأسلوبي. وأكاد أجزم أنه صاحب نوع من "القصة الخبرية" التي تشتغل على الوثيقة وصاحب عمود رأي (اشتهر لسنوات بعموده في يومية "الإتحاد الإشتراكي المغربية" بعنوان "آخر الكلام" قبل أن يصبح صاحب عمود رأي بيومية "الأحداث المغربية" منذ صدورها سنة 1997)، وأزعم أنه منتم لتجربة الكتابة المصرية على العهد الناصري بفطاحلتها الكبار.
إن المرء ليجزم بدون تردد أن هناك بعض الناس يولدون ليكونوا صحفيين (دون حاجة لديبلوم صحفي أكاديمي) وسي عبد اللطيف واحد منهم. لأنه يمتلك فطنة ودهاء ومكر الصحفي، بكل ما خلقه له ذلك من خصومات ومشاكل حتى مع من كان يُعتقَدُ أنهم من تياره السياسي. وهذا لعمري من عناوين قوة أي ممارس لمهنة "مؤرخ اليومي" التي هي الصحافة، أنه مرغوب ومطلوب ويخشى منه في الآن نفسه. فقدر الصحفي أن يقلق السياسي دوما.
حكاية جبرو رحمه الله مع الصحافة تعود إلى بداية الخمسينات وهو لما يزل شابا في 16 من عمره، اقتنصته فراسة الشهيد المهدي بنبركة ضمن الشبيبة المدرسية الإستقلالية، حيث كانت أول بداياته ضمن جريدة "الشباب" لسان حال ذلك التنظيم الشبابي والسياسي، التي كان يديرها الأستاذ عبد الكريم الفلوس (الذي هو من هو في تاريخ الحركة الشبيبية الوطنية الإستقلالية وفي تاريخ الكشفية المغربية. وكذا ضمن ذاكرة المدارس الوطنية الحرة بالمغرب خاصة مدرسة جسوس الشهيرة بالرباط لصاحبها الوطني المغربي الكبير أحمد بلافريج). ثم تلتها تجربة أخرى ضمن مجلة "المشاهد" التي كان يديرها الراحل مصطفى العلوي، وتوالت بعدها تجاربه الصحفية ضمن صحافة اليسار الحزبية في يوميات التحرير/ الأهداف/ فلسطين/ المحرر/ الإتحاد الإشتراكي. قبل أن يلتحق بيومية الأحداث المغربية (ضمن الصحافة المغربية الخاصة. وليس المستقلة لأنه مصطلح غير دقيق كما يكتب الكثيرون، لأنه أصلا لا استقلالية في الصحافة. فالصحافة، أية صحافة، هي تعبير عن موقف ودفاع عن مصلحة ما).
ظل جبرو رحمه الله يصدر عن ثقافة مدينية تمنحها طبيعة التربية السلوكية للعائلات الرباطية ذات الإرث الأندلسي والموريسكي، حيث منحته أسلوبا في الحياة منقوع في براغماتية جد راسخة زودته بما يحتاجه الصحفي الناجح ألا وهي "الجرأة". الجرأة في دفع الأبواب وليس فقط طرقها للوصول إلى مبتغاه المهني والمعلومة التي تعزز كتابته. فقد كان جبرو دوما يعرف أهدافه التي يريد وكان يذهب إليها رأسا بلا التواء وبجرأة، أعجب ذلك الآخرين أو لم يعجبهم. فكان من الجيل الذي منح لمهنة الصحافة رونقا مغربيا فريدا، مسنودة بمصداقية مهنية ذات سقف أخلاقي مهني رفيع. بل حتى أسلوبه الصحفي قد منحه أن يكون شخصية مختلفة ضمن باقي نجوم الصحافة المغربية، لأن الصحفي هو شخصيته الأسلوبية في ناهية المطاف. وجبرو انتصر منذ بداياته (ابتدأ بالمناسبة صحفيا يكتب في المجال الفني من سينما ومسرح وغناء، قبل أن يتخصص في الكتابة السياسية)، أقول انتصر دوما لخيار الكتابة الصحفية المصرية تلك التي اختارت أن تصدر على الناس بلغة ثالثة (بين العربية الفصحى واللهجة العامية) حتى يفهمها الوزير والغفير. فكان أسلوبه حكواتيا (ليس بمعنى الحلقة الشعبية أبدا)، ينتصر للجملة القصيرة ولبناء قصة الخبر.
حرصت دوما على قراءته بلا انقطاع أينما كتب. وليس مهما أن تتفق أو تختلف مع ما يكتبه، فالأساسي هو أنه يفرض عليك احترامه وهذا أكبر رأسمال للصحفي.
كانت لي معه مودات كثيرة في مناسبات وسماوات مختلفة، حيث ظل يصدر دوما عن أسلوبه التواصلي الخاص (حيطة المديني الموريسكي)، لكنه كان صاحب نكتة ومشاغبا من نوع مختلف وخاص. مثلما جمعت بيننا صداقات مشتركة مختلفة وكذا مصادر عائلية في الدار البيضاء والرباط، حيث لجبرو رحمه الله وفاء صوفي للعائلة (خاصة مع شقيقاته).
سيظل خالدا في ذاكرة الصحافة المغربية اسمه، على القدر نفسه الذي سيظل خالدا في ريبرتوارها أن عبد اللطيف جبرو أكثر الناس الذي صان ذاكرة الشهيد المهدي بنبركة كتابة ووثق سيرة الزعيم المغربي الكبير ذاك من خلال كم الكتب التي أصدرها حوله، وهذه لوحدها تشفع له اسما مهنيا محترفا ومحترما، بكل ما تتطلبه توابل هذه المهنة (العاقة على الكثير من أبناءها بالمغرب) من جرأة ومكر وفطنة وأسلوب كتابة.
وداعا سي عبد اللطيف.