تبني البوليساريو للعمل الإرهابي الذي راح ضحيته مواطن في السمارة في نهاية أكتوبر 2023، إلى جانب إصابتين لمواطنين آخرين، لا يقود سوى إلى حقيقة واحدة ينبغي العمل بكل جهد على تنزيلها على أرض الواقع، ألا وهي ضرورة العودة إلى المطالبة بتصنيف هذه الحركة الانفصالية كجماعة إرهابية؛ وهي الصفة التي يجدر بالمجتمع الدولي أن يتبناها في هذه اللحظة المفصلية من تطور ملف الصحراء ما دامت لغة "القذائف" و«الصواريخ» وإرهاب المواطنين المدنيين هي المهيمنة أمام قوة مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي وضع كل ادعاءات الانفصاليين ورعاتهم «الكراغلة» على المحك وكشف زيفها وتوقف انطلائها على الدول التي تحترم عقلها وتاريخها وديمقراطيتها.
لقد ثبت بالملموس أن هذا المطلب، استنادا إلى مجموعة من الوقائع الثابتة، ليس مجرد ورقة للاستهلاك الإعلامي، كما أنه ليس مطلبا تمليه اعتداءات اليوم. فالكل يشهد على ضلوع البوليساريو في الإرهاب، بل إن ميلادها ارتباط بمجموعة من العمليات الإرهابية. فقد دشنت هجماتها الإرهابية في يناير 1976، بالقيام بعمليات إرهابية ضد مواقع تابعة للسيادة المغربية، في اجديرية وتوكات وحوزة؛ كل ذلك كان يتم بدعم لوجيستي وعسكري من طرف كابرانات الجزائر وليبيا. والأدهى من ذلك أن إرهابيي البوليساريو هاجموا، في الثامن يونيو 1976، القصر الرئاسي الموريتاني بنواكشوط، مستعملين قذائف المورتر، فيما سمي أنذاك بـ «هجمة الولي»، والتي انتهت بمقتل قائد الهجوم الولي مصطفى السيد.
ولم يتوقف إرهاب البوليساريو عند هذا الحد، بل لجأت الجماعة إلى الهجوم على المدنيين في «فوسبوكراع» والاعتداء الدموي على العمال المنجميين، والهجوم على المدنيين في عدة مدن مغربية «محاميد الغزلان، أسا، الزاك، فم الحصن، طان طان، وغيرها…) فضلا عن الهجمات الإرهابية التي اقترفتها ضد صيادين من الأرخبيل، حيث استهدف إرهابيو البوليساريو سفينة الصيد الكنارية «كروث ديل مار» في نونبر 1978، وقاموا بتصفية سبعة أشخاص، من بينهم طفل، كما أغرقوا سفينة «مينسي دي أبونا» عامين بعد ذلك، وكان على متنها 14 صيادا، بل قاموا كذلك بالهجوم على سفينة «إل خوانيتو» في شتنبر 1985، إضافة إلى مهاجمة الدورية الإسبانية «تاغوماغو» التي هبت لإنقاذها. ويبلغ عدد الأسر المتضررة 300 أسرة كنارية.
هذه الهجمات دفعت، حينذاك، الحكومة الإسبانية التي كان يرأسها حينها الاشتراكي فيليبي غونزاليس، إلى تصنيف «البوليساريو» منظمة إرهابية مثلها مثل حركة «إيتا» الباسكية ومجموعة «غرابو» الماوية. كما تم طرد «ممثليها» من إسبانيا، وعلى رأسهم ممثل الانفصاليين بمدريد أحمد البخاري، كما أغلقت مكاتبهم في إسبانيا في سنة 1985.
وكانت الجمعية الصحراوية لحقوق الإنسان قد تقدمت بشكاية ضد قادة بالبوليساريو وضباط جزائريين أمام المحكمة الوطنية الإسبانية التي تعتبر أعلى هيئة جنائية إسبانية، تتضمن أسماء 28 مسؤولا متهمين بجرائم الإبادة والتعذيب والخطف، ويوجد على رأس المتهمين، إبراهيم غالي، رئيس جماعة البوليساريو.
وكانت الجمعية الصحراوية لحقوق الإنسان قد تقدمت بشكاية ضد قادة بالبوليساريو وضباط جزائريين أمام المحكمة الوطنية الإسبانية التي تعتبر أعلى هيئة جنائية إسبانية، تتضمن أسماء 28 مسؤولا متهمين بجرائم الإبادة والتعذيب والخطف، ويوجد على رأس المتهمين، إبراهيم غالي، رئيس جماعة البوليساريو.
إن ضلوع «بوليساريو» في الإرهاب، إذن، ليس وليد اليوم، بل انطلق مع سياقات النشأة وظروف التأسيس. حيث تم تنقيل مجموعة من السكان الصحراويين بالإكراه إلى مخيمات تندوف واحتجازهم هناك تحت طائلة التهديد والترهيب، بل استعمالهم وقودا للضغط على الأمم المتحدة من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية التي كانت تخطئ الطريق دائما إلى مستحقيها، لأن القيادة الإرهابية، بتواطؤ مع كابرانات الجزائر، كانت تستعملها للإثراء غير المشروع على حساب المحتجزين هناك. وهذا ما أكده تقرير شامل للاتحاد الأوروبي دق ناقوس الخطر بشأن تهريب المساعدات من مخيمات تندوف.
ومن وجوه تورط البوليساريو في الأعمال الإرهابية إقدامها بإكراه العائلات على الدفع بأبنائها نحو التجنيد الإجباري العسكري للأطفال، وهو سلوك مجرم دوليا ويشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، إلى درجة أن معسكرات الأطفال بمخيمات تيندوف باتت تعتبر أساسا كاحتياطي لتجنيد الجهاديين لمختلف المنظمات الإرهابية النشطة في المنطقة، وذلك منذ عهد الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أصبحت لاحقا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وما يساعد على ذلك هو وفرة الاتجار الدولي بالأسلحة وانتشارها على نطاق واسع في منطقة الساحل والصحراء. وهو ما يعني أن معسكرات «أطفال البوليساريو» أضحت اليوم محضنة مفتوحة لتزويد مختلف الحركات الإرهابية التابعة لـ «داعش» بمرشحين إرهابيين. بل إن المخيمات باتت وجهة للباحثين عن المجندات لتلبية نداء «جهاد النكاح»، حيث سبق ليومية «إل موندو» الإسبانية أن كشفت في 13 يناير 2016، أن أزيد من 100 شابة صحراوية تم اختطافها داخل مخيمات تندوف وتم احتجازهن في السجون التي تعج بها المخيمات رغما عنهن بل بإيعاز من قيادة البوليساريو بالرغم من أن البعض منهن يحملن الجنسية الاسبانية، حيث غادرن المخيمات مند صغرهن واستقررن إما في اسبانيا أوفي دول أمريكا اللاتينية حيت تابعن دراستهن، وبعد رجوعهن إلى المخيمات لزيارة الأهل تم القبض عليهن والزج بهن داخل غياهب سجون المخيمات، وأيضا حجزهن واغتصابهن من طرف وحوش البوليساريو، قبل إرغامهن على الزواج من إرهابيين محليين، كمكافأة لهؤلاء على «الولاء والبراء».
إن علاقة البوليساريو بالإرهاب، منذ نشأتها، دليل وثيق على الصلات العميقة التي تربط بين الانفصال والتنظيمات الإرهابية في إفريقيا. وكان هذا ما أكدته مجموعة التركيز الإفريقي «أفريكا فوكوس غروب» التي ألحت في تقرير لها ضرورة تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب للأعضاء الأفارقة، ومراعاة التحديات والتهديدات التي يطرحها تنامي الفاعلين اللادولتيين، سيما الجماعات الانفصالية، التي تعد عاملا لزعزعة الاستقرار والهشاشة في المنطقة.
وتشير العديد من التقارير إلى أن الأوضاع المزرية وحالات الاحتقان بمخيمات تندوف دفعت الكثيرين من أفراد بوليسايو إلى الالتحاق بصفوف فرعي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والقاعدة في منطقة الساحل والصحراء. وليس أدل على ذلك من مثول أحد عناصر البوليساريو، في ماي الماضي أمام المحكمة الوطنية الإسبانية «أعلى محكمة جنائية في إسبانيا»، على خلفية نشره للدعاية الجهادية، كما اعترف أنه كان على صلة بالزعيم السابق للإرهاب في المنطقة أبو وليد الصحراوي الذي قتلته القوات الفرنسية قبل عامين. كما سبق للشرطة الإسبانية أن ألقت القبض، في مارس 2023، على ناشط انفصالي آخر في بسكاي «إقليم الباسك»، ووجهت إليه تهمة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية ضد مؤسسات مغربية في إسبانيا وخارجها. وكان هذا الشخص، حسب صحف إسبانية، يستخدم حسابات على المنصات الاجتماعية من أجل التحريض على أعمال إرهابية ضد الأشخاص والمؤسسات المغربية في إسبانيا والخارج.
وتؤكد هذه الحالات، في الواقع، أهمية الإنذارات الصادرة عن عدة تقارير لمراكز بحثية وخبراء دوليين أبلغوا عن الصلات بين ميليشيات «البوليساريو» والشبكات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء ومناطق النزاع.
ليس هذا فحسب، بل إن معارضين لقيادة البوليساريو يتهمون قادة الجبهة الإرهابية بالتورط في قضايا إرهاب متعددة، تشمل التعذيب والاختطاف والسرقة والاغتصاب والقتل والاستعباد والمتاجرة في البشر، بل إقامة علاقات مع تنظيمات إرهابية، من بينها «تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي» وفرعه «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمنطقة الساحل»، فضلا عن التعاون العكسري مع إيران وحزب الله اللبناني. إذ نقلت صحيفة «تاغس شبيغل» الألمانية، في تقرير لها، أن «علاقة النظام الإيراني بجبهة البوليساريو مستمرة في التطور، عبر تزويد طهران لعناصر الجبهة بصواريخ أرض-جو، والإشراف على معسكرات تدريب مسلحي الجبهة في الجزائر بتعاون مع حزب الله اللبناني». مشيرة إلى أن «دعم إيران للبوليساريو نابع من بحثها عن اكتساب نفوذ بالمناطق غير المستقرة، معتبرة أن الجبهة ستتوصل من إيران بصواريخ أرض-جو، وأيضا تحضر لمعسكرات تدريب مع حزب الله في الجزائر لتدريب أفراد البوليساريو».
إن توغل «البوليساريو» في الإرهاب، بكل أصنافه، واستعانتها بالجزائر وإيران وحزب الله وكل الأطياف الإرهابية في شمال إفريقيا ودول الساحل يقتضي العمل على قدم وساق من أجل تصنيف هذه الحركة كمنظمة إرهابية، ليس منعا لزعزعة استقرار المنطقة المغاربية ودول الساحل فحسب، بل أيضا لإيقاف تهديداتها التي تشمل الدول التي لها مصالح اقتصادية وتجارية في إفريقيا.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية" الوطن الآن"