يرى د.عبد المالك احزرير، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، أن ااحكومة تفتقد حاليا للطاقة والقدرة التوزيعية من أجل المراهنة على التنمية الاجتماعية، مشيرا بأن المغرب يعاني أصلا من الهشاشة، علما أن الاقتصاد التضامني لم يعط النتائج المرجوة منه لأسباب هيكلية.
وأضاف أحزرير في حوار مع "الوطن الآن" و"أنفاس بريس"، قائلا بأنه من الصعب القول بعودة المغرب الى تبني مفهوم الدولة الاجتماعية، فهذا الأمر يبقى مفتوحا فقط أمام البلدان التي تتوفر على اقتصاديات قوية.
وأضاف أحزرير في حوار مع "الوطن الآن" و"أنفاس بريس"، قائلا بأنه من الصعب القول بعودة المغرب الى تبني مفهوم الدولة الاجتماعية، فهذا الأمر يبقى مفتوحا فقط أمام البلدان التي تتوفر على اقتصاديات قوية.
كيف تنظر الى الإجراءات الحكومية المعلن عنها والتي بمقتضاها سيتم التخلي عن دعم صندوق المقاصة واللجوء إلى دعم مباشر للأسر الفقيرة ؟
إذا أردنا التحدث عن الدولة الاجتماعية بمفهومها المتعارف عليه: المفهوم البيسماركي في ألمانيا أو المفهوم الكينزي بصفة عامة، فالهدف من الاقتصاد هو تكريس دعائم الدولة الاجتماعية التي تقوم على الرفاه الاجتماعي، بحيث أن الدولة تلعب دورا توزيعيا أي توزيع الثروة والرفاه على أساس تحصيل الضرائب، وقد كرست العديد من الدول في الفترة الممتدة من الثلاثينيات الى حدود نهاية الثمانينيات من القرن الماضي مفهوم الدولة الاجتماعية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ولكن منذ نهاية الحرب الباردة عام 1986 باتفاق أمريكي – سوفياتي وإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن ميلاد عالم جديد يقوم على العولمة وعلى الاقتصاد الحر، دخلنا في سياق آخر، وهي الإيديولوجية الليبرالية التي تحكم العالم. فظهر فكر جديد يقوم على المنافسة والفردانية، وهو الأمر الذي نلمسه من خلال أعمال فريدريك فون هايك وأعمال لينكولن فريدمان، وقد امتدت هذه الأعمال الأنجلوساكسونية إلى فرنسا بعد مناظرة والتر ليبمان، وهي مناظرة كبيرة جدا.
الخطاب السياسي اليوم في المغرب يتحدث عن الدولة الاجتماعية، وهو أمر صعب لأن التوجه العالمي والبراديغم السائد اليوم يسير في اتجاه الخوصصة وتحرير الاقتصاد، والمنافسة الاقتصادية، وعلى الدولة أن ترعى هذه المنافسة وتسهر عليها عبر جرعة كبيرة من السلطة من أجل ضمان وجود دولة نيوليبرالية. وبالعودة الى تحليل خطاب رئيس الحكومة أمام البرلمان عند تعيينه من طرف الملك، نجد أن كلمة الدولة الاجتماعية وردت في هذا الخطاب، وهنا يطرح السؤال، ما المقصود بالدولة الاجتماعية في الخطاب السياسي المغربي؟ فخلال فترة حكم بنكيران كان الغلاف المالي المخصص لصندوق المقاصة هو 52 مليار درهم، بينما رصدت الحكومة اليوم 16 مليار درهم فقط لصندوق المقاصة، فهل للدولة مداخيل أخرى الى جانب الضرائب والتي تضمن لها السير قدما لوضع أسس الرفاه الاجتماعي، علما أن سياسة الحكومة تسير في اتجاه إعادة هيكلة المقاولة وتشجيعها لخلق الثروة والتي يمكن أن تخلق نسبة نمو يكون لها أثر ايجابي على المجتمع؟ ولذلك فإن تحقيق الدولة الاجتماعية يبقى مرتبطا بمدى إنعاش هذه المقاولة وهذا يبقى مشروع مطروح، ولكن الدولة الاجتماعية هي مدرسة اقتصادية تقوم بصفة مباشرة على كون موارد الدولة يجب أن تتجه نحو ترقية المجتمع بشكل كبير. ولعل وجه المفارقة هو كون السياسات الحكومية تمزج ما بين السياسات النيو ليبرالية والسياسات الاجتماعية، وربما تكون هذه السياسات على حساب الطبقات المتوسطة لكون هذه الطبقات هي التي ستدفع الضريبة عن الاستهلاك، علما أن الحكومة ستلجأ الى رفع الضريبة على القيمة المضافة، وسيخصص الفارق الى الدعم الاجتماعي المباشر للأشخاص والأسر في وضعية هشاشة. وهذا شيء جميل، يعطي الانطباع بوجود دولة تكرس التضامن بين الشرائح الاجتماعية، لكن هذا التضامن يحمل بعدا عاطفيا أكثر منه بعدا اقتصاديا وعقلانيا، حيث يمكن للدولة أن تبحث عن مصادر أخرى من أجل ضمان تمويل الملف الاجتماعي.
البعض يقول إن الاجراءات الحكومية لا تحمل أي جديد بل ربما ستؤدي الى مزيد من الهشاشة، حيث أنها ألغت دعم صندوق المقاصة من أجل توفير الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة وسط مخاوف من الارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية، ما رأيك ؟
أعتقد أنه كان من الأفضل الإبقاء على النظام القديم أي دعم صندوق المقاصة، علما أن كل الحكومات لا تتوفر على إحصائيات دقيقة جدا فيما يتعلق بالشرائح الاجتماعية ومداخيلها، فهناك فقط بعض الدراسات التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط، كما يمكن أن نجد بعض المعطيات لدى وزارة المالية ومعطيات أخرى لدى إدارة الأمن الوطني. ولكن كل هذا يبقى غير كافيا من أجل التوفر على سجل اجتماعي دقيق جدا كي نتمكن من تحديد الفئات الهشة والفئات الفقيرة، والفئات المتوسطة، إلخ. ولذلك ومن أجل الهروب من إشكالية تحديد هذه الفئات، يبقى في اعتقادي من الأفضل الاحتفاظ بصندوق المقاصة، رغم ما يعاب عليه بكون طبقة المنتجين تستفيد من إعانات المستهلكين، وأعتقد أن رفع دعم الحكومة عن بعض المواد ستكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية وربما تسير في اتجاه لن يسرنا.. وربما يصبح الوضع أفظع من اليوم لأن الشرائح المتوسطة ستنهار الى السلاليم الدنيا، كما ستخلق مساحة كبيرة من الهشاشة الاجتماعية والتي قد تؤدي الى بروز طبقات مخيفة في المجتمع، وحينها سنصبح مطالبين ليس فقط بدعم الرهان الاقتصادي والاجتماعي بل أيضا بدعم الرهان الأمني، بسبب وجود طبقات تفضل العيش في إطار القطاع غير المهيكل وما يحمله من أضرار وخروج عن القانون وما ينجم عن ذلك من عقوبات. فليس لدينا حل للإدماج الاقتصادي منذ تطبيق سياسات التقويم الهيكلي وسلك مسار النيو ليبرالية، علما أن الدولة تفتقد حاليا للطاقة والقدرة التوزيعية من أجل المراهنة على التنمية الاجتماعية، وهذا ما يفسر تبني المقاربة الزجرية في إطار القانون الجنائي بدل تبني مقاربة إدماجية مرتبطة بتوفير فرص الشغل والوظائف المدرة للدخل.
أعتقد أنه كان من الأفضل الإبقاء على النظام القديم أي دعم صندوق المقاصة، علما أن كل الحكومات لا تتوفر على إحصائيات دقيقة جدا فيما يتعلق بالشرائح الاجتماعية ومداخيلها، فهناك فقط بعض الدراسات التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط، كما يمكن أن نجد بعض المعطيات لدى وزارة المالية ومعطيات أخرى لدى إدارة الأمن الوطني. ولكن كل هذا يبقى غير كافيا من أجل التوفر على سجل اجتماعي دقيق جدا كي نتمكن من تحديد الفئات الهشة والفئات الفقيرة، والفئات المتوسطة، إلخ. ولذلك ومن أجل الهروب من إشكالية تحديد هذه الفئات، يبقى في اعتقادي من الأفضل الاحتفاظ بصندوق المقاصة، رغم ما يعاب عليه بكون طبقة المنتجين تستفيد من إعانات المستهلكين، وأعتقد أن رفع دعم الحكومة عن بعض المواد ستكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية وربما تسير في اتجاه لن يسرنا.. وربما يصبح الوضع أفظع من اليوم لأن الشرائح المتوسطة ستنهار الى السلاليم الدنيا، كما ستخلق مساحة كبيرة من الهشاشة الاجتماعية والتي قد تؤدي الى بروز طبقات مخيفة في المجتمع، وحينها سنصبح مطالبين ليس فقط بدعم الرهان الاقتصادي والاجتماعي بل أيضا بدعم الرهان الأمني، بسبب وجود طبقات تفضل العيش في إطار القطاع غير المهيكل وما يحمله من أضرار وخروج عن القانون وما ينجم عن ذلك من عقوبات. فليس لدينا حل للإدماج الاقتصادي منذ تطبيق سياسات التقويم الهيكلي وسلك مسار النيو ليبرالية، علما أن الدولة تفتقد حاليا للطاقة والقدرة التوزيعية من أجل المراهنة على التنمية الاجتماعية، وهذا ما يفسر تبني المقاربة الزجرية في إطار القانون الجنائي بدل تبني مقاربة إدماجية مرتبطة بتوفير فرص الشغل والوظائف المدرة للدخل.
إذن نحن نعاني أصلا من الهشاشة، وحتى الاقتصاد التضامني لم يعطي النتائج المرجوة منه لكون المسألة هيكيلة بالدرجة الأولى، وبالتالي من الصعب القول بعودة المغرب الى تبني مفهوم الدولة الاجتماعية، فهذا الأمر يبقى مفتوحا فقط أمام مجموعة الثمانية أي البلدان التي تتوفر على اقتصاديات قوية، وهي البلدان التي شهدت التناقضات بين الدولة والمجتمع والمقاولة. وبالتالي فالمسألة في المغرب لا تخرج عن إطار عملية محاسباتية مرتبطة بالميزانية أكثر منها سياسة اجتماعية مرتبطة باستراتيجية واضحة المعالم للرجوع الى الدولة الاجتماعية.