لقد درج بني آدم منذ الأزل إلى الاحتكاك في حياته اليومية مع مكونات بيئته ومحيطه الطبيعي، فتراه يتعايش في انسجام تام مع الطبيعة بكل مكوناتها البيئية من أشجار وزرع وحيوان، شريعته في ذلك جلب كل منفعة ودرء كل مضرة محققة أو محتملة.
غير أنه مع تقدم العصور وتنامي العمران عرف الإنسان طفرة نوعية، ألقت بضلالها على نواميسه الاجتماعية لتتحول على إثر ذلك القيم والأذواق وتنوع الحاجيات والأولويات، فطفت إلى السطح ظواهر جديدة، من بينها ظاهرة تربية الحيوانات بالمنازل والعناية بها، وخصوصا الكلاب منها.
ومجتمعنا المغربي لا يشكل استثناء عن باقي مجتمعات عصرنا الحاضر، فنجد تنامي ظاهرة تربية الكلاب واقتنائها داخل بعض الأوساط العائلية في انتشار، حتى أضحت حالة شبه عامة في رحاب المملكة بين الرجال والنساء من كل الفئات العمرية ولشتى الأغراض الحياتية، فتنوعت الحاجات لاقتناء شتى الفصائل والأنواع من الكلاب وتعددت الاستعمالات الضرورية لمهاراتها الفطرية، من حفظ وحراسة للأنفس والأموال والأعين، والاستعمال في الصيد واقتفاء لأثر المختفين والغائبين من الناس، وتتبع المجرمين، وإنقاد الأرواح عقب الكوارث الطبيعية فيستعملها المنقذون في التنقيب على الضحايا العالقة بين الأنقاض عقب الزلازل المدمرة والسيول العارمة، وهي كلها منافع جلية وواضحة تبرر الغرض من تربية هذا الحيوان.
إلا أن هناك فريق من البشر أضحى يستعملها لا لمنفعة ظاهرة بل تلبية لمزاج خاص وإشباعا لرغبة جامحة في الظهور وفرض الذات، فيروع بها الآمنين من الناس، ويُرهب المارين منهم استعراضا للقوة وتباهيا بمهاراتها الدفاعية وقوتها الهجومية، فأصبح هذا الحيوان بمثابة سلاح فتاك يُهاب صاحبه ومدربه، ناهيك أن بعضها هجين في تكوينه "المورفولوجي" إذ يتسم بشراسة قل نظيرها، تجعله يشكل خطرا محدقا على أصحابها ومرافقيها فما بالك على الغير من المارة والأطفال.
وأمام هذا الواقع الذي صار يهدد أمن المواطنين ويؤرق مضاجعهم، أبى المشرع في إطار واجبه الحمائي للحياة الخاصة إلا أن يصيغ قانونا ينظم بموجبه هذا النوع من التعايش بين الإنسان والحيوانات وخصوصا الكلاب منها، هدفه من ذلك الذود بحياة الساكنة من مخاطرها في حالة احتكاكهم بها، سواء كانوا عابري سبيل ممن يلجون الفضاءات العمومية والمشتركة أو مالكين ومرافقين لها.
ولما كان الأمر كذلك نجد على عاتقنا وفي إطار واجب التبصير والتوجيه القانونين أن نفصل القول في مقتضيات القانون رقم 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب (1) عسى أن نساهم في توعية وتنبيه المواطن المغربي وخصوصا فئة الشباب واليافعين من مستعملي الكلاب وأولياء أمورهم بالمخاطر التي قد يتعرضون لها، ونبين التزاماتهم القانونية والعقوبات التي تنتظرهم في حالة خرق أو مخالفة مقتضيات هذا القانون المذكور، فلا أحد يعذر في هذه الحال بجهله للقانون.
إذن ماهي أهم الأحكام الواردة في هذا النص التشريعي الخاص بوقاية الأشخاص وحمايتهم من مخاطر الكلاب؟ وإلى أي حد توفق المشرع في تحقيق الحماية المنشودة؟
أولا: تفصيل بأهم المقتضيات والجزاءات الواردة بقانون 56.12:
عند قراءتنا للقانون 56.12 الخاص بوقاية الأشخاص وحمايتهم من مخاطر الكلاب يتبين على مستوى الشكل أن المشرع قد استعمل هيكلة بنائية للنص خماسية التبويب، فجاء هذا القانون مكونا من خمسة أبواب رئيسية، الأول تحت عنوان أحكام العامة، حدد فيه بشكل دقيق موضوع ونطاق هذا قانون، حيث تطرقت المادة الأولى منه إلى بيان نوع الكلاب المشمولة بمقتضيات هذا القانون، وهي الكلاب الخطيرة وباقي أصنافها الأخرى، وكذلك المالكين لها والحائزين لإحدى أنواعها وكل حارس لهذا الحيوان أيضا، كل هذا بهدف إعطاء هذا القانون بعده التنظيمي الواسع، فإلى جانب الكلاب الخطيرة، وهي بيت القصيد، أعلن المشرع بموجب هذه المادة المذكورة أن مقتضيات القانون ستشمل بالتنظيم كل أصناف الكلاب الأخرى ومالكيها و الحائزين لها والحارسين لها، وهي أوصاف قانونية تجد تمثلاتها في الواقع اليومي، فالشخص المرافق للكلب إما أن يكون مالكا له بالاقتناء أو بالتربية والتكثير بالإنسال، أو قد يكون مرافقا حائزا له، والحيازة واقعة قانونية تربط بين الشخص والكلب المحوز، وقد تأتي في صورة مرافق خاص أو مروض متخصص أو طبيب بيطري أو هيئة عمومية، كمستودعات الحيوانات التابعة للجماعات الترابية أو خصوصية كشركات الحراسة، فهؤلاء ليسوا بملاك لهذه الكلاب بل فقط يحوزونها لمدة محددة أو غير محددة، إما في إطار الانتفاع به أو لغرض معين بذاته.
وقد يكون مرافق الكلب حارسا له، وهو كل شخص يتكفل برعايته لمدة معينة في إطار التزام بالحراسة وفق المقتضيات المنظمة لمسؤولية حارس الحيوان، كما جاء التنصيص عليها في قانون الالتزامات والعقود.
وبعد أن بين المشرع نوع الكلاب والأشخاص المشمولة بهذا القانون استبعد بشكل خاص واستثنائي حالة من حالات استعمال هذا الحيوان، وجعلها غير مشمولة بالنص موضوع التحليل، فحدد موضوع هذا الاستثناء في حالة الكلاب المستعملة من قبل القوات العمومية وأثناء مزاولتهم لمهامهم، وذلك بموجب الفقرة الثانية من المادة الأولى المذكورة، حيث أن هذا الأخير- المشرع - كان حريصا على تطويق هذا الاستثناء وجعله غير قابل لأي تأويل أو تحوير، فالكلاب غير مشمولة بمقتضيات القانون رقم 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، هي كل الأصناف والفصائل بدون استثناء شريطة استعمالها من طرف القوات العمومية في حدود زمن مزاولة مهامها الأمنية الخاصة والمحددة قانونا.
بعد ذلك نجد المادة الثانية من هذا القانون تعطي تعريفا لمفهوم الكلاب الخطيرة، معتبرة إياها تلك التي تتمتع بشراسة تشكل خطرا على الانسان من حيث نوع الفصيلة التي تنتمي إليها، ومن جانب تكوينها المرفلوجي (2) معلنا عن تحديد أدق بموجب نص تنظيمي، صدر في سياق المرسوم رقم 2.18.456 المؤرخ في 17 يوليوز 2018، الخاص بتطبيق المادة 2 من القانون رقم 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، والذي حدد فيه بمقتضى قرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالفلاحة لائحة أصناف الكلاب الخطيرة (3).
ونجد المشرع أفرد في الباب الثاني من هذا القانون الأحكام وقائية، فجاءت المادة الثالثة منه متضمنة لأحكام آمرة تتعلق بأصناف الكلاب المنصوص عليها في المادة الثانية، وهي الكلاب الخطيرة والمحددة بموجب النص التنظيمي المذكور أعلاه، تمنع وبشكل قاطع كل تصرف قانوني أيًا كان شكله يتعلق بكلب من هذه الفصائل المحددة سلفا بموجب المادة الثانية، فيمنع كل تملك لهذه الفصائل المصنفة بالخطيرة على الإنسان وكذا يمنع حيازتها وحراستها وبيعها وشراءها وتصديرها واستيرادها وكذا تربيتها وترويضها.
بينما نظم هذا القانون بموجب المادتين 4 و5 من هذا الباب الثاني المساطر الإجرائية وشروط المتطلبة لإبرام كافة أنواع التصرفات المحتمل إجراؤها بشأن الكلاب غير المشمولة بالتصنيف المحدد في المادة الثانية من القانون 56.12، غير أن المشرع أجل تفعيل مقتضيات هاتين المادتين وجعل ذلك مقترنا بصدور نص تنظيمي لم يرى الوجود بعدُ إلى حين كتابة هذه السطور.
وأخيرا وفي إطار هذه الأحكام الوقائية منع المشرع بموجب المادة السادسة تنظيم مبارزات للكلاب بكل أصنافها وإعطائها مواد منشطة ومخدرة بهدف تأجيج عدوانيتها وشراستها.
وسيرا على نهج التبويب المعتمد في هذا القانون نجد المشرع في الباب الثالث يحدد الصفة القانونية للأشخاص الذين يعود لهم الاختصاص في معاينة وضبط المخالفات المنصوص عليها بموجب القانون 56.12 وهم على سبيل الحصر: أعوان وزارة الفلاحة وإدارة المياه والغابات، والجماعات المعينين لهذا الغرض، والمحلفين، وكذا ضباط الشرطة القضائية في إطار اختصاصاتهم الضبطية.
العقوبات الجنائية المقررة:
أخيرا وليس آخرا خص المشرع الباب الرابع من هذا القانون بالعقوبات الجنائية المقررة، مع إحالة صريحة على مقتضيات القانون الجنائي في حالة ما إذا كانت العقوبات المحددة فيه أشد من العقوبات المنصوص عليها في القانون المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب (المادة 8).
وعلى العموم فقد تشدد المشرع على مستوى العقوبات المقررة بشأن الكلاب المصنفة خطيرة والمحددة بالتفصيل في مقتضيات المادة الثانية السالفة الذكر، حيث سن عقوبة حبسية قد تتراوح بين شهرين إلى ستة أشهر وغرامة تتراوح بين 5000 إلى 20000 درهم أو بإحداهما فقط في حق كل من تبت تملكه أو حيازته أو بيعه أو شراءه أو تصديره أو استيراده أو تربيته أو ترويضه أو إبرامه لأي تصرف يتعلق بالكلاب المصنفة خطيرة، طبقا لمقتضيات المادة 2 و المرسوم التنظيمي المحدد للأنواع والفصائل الشرسة، كما سبق وأن بيناه في ما تقدم من هذه الدراسة.
بينما ترك المشرع الباب الخامس من هذا القانون للأحكام الانتقالية ومن أهمها تحديد مدة شهر تحتسب من تاريخ نشر النص التنظيمي المتعلق بالمادة الثانية بالجريدة الرسمية، حيث يلزم خلال هذه المدة كل مالك أو حائز أو حارس للكلاب الممنوعة، بتسليمها للمصالح الجماعية البيطرية المختصة (المادة 20)، كما نص في المادة 21 على أنه: " تدخل أحكام هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشر النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقها بالجريدة الرسمية.".
ثانيا: حدود النجاعة الحمائية للقانون رقم 56.12:
بعد أن تعرضنا فيما تقدم لأهم الأحكام التي تضمنها القانون رقم 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، نضع نقطة استفهام حول نجاعة هذا التشريع الخاص، وإلى أي مدى استطاع المشرع تحقيق أهدافه الحمائية والوقائية، خاصة بعد التفعيل الجزئي لبعض مقتضياته دون الأخرى ودخولها حيز التنفيذ بمقتضى صدور المرسوم رقم 2.18.456 الخاص بتطبيق المادة الثانية من القانون المذكور، وهي المقتضيات المتعلقة بالكلاب الشرسة والتي تشكل خطرا على الانسان، وفقا للقرار الملحق بالمرسوم التنظيمي المذكور.
1) دورية رئيس النيابة العامة والإعلان عن التفعيل الجزئي للقانون:
يضل الإشكال الأكثر تأثيرا على النجاعة التشريعية، هو القدرة على تفعيل القوانين وإدخالها حيز التنفيذ بمنحها الأثر الفوري إثر نشر نصوصها بالجريدة الرسمية، خاصة وأن المشرع وفي العديد من المرات قد يحدد آجالا لاحقة تشكل نقطة انطلاق فعلية لترتيب آثار النص القانوني تختلف عن تاريخ الصدور أو النشر بالجريدة الرسمية، وهذه تقنية تشريعية توظف في حالة كون القانون المنشور لا يستحمل ترتيب آثار فورية على واقع مكرس، فتعطى مهلة خاصة تتطلبها ظروف الحالة موضوع التنظيم، كما هو الشأن بالنسبة لأجل شهر من تاريخ نشر النص التنظيمي المتعلق بالمادة 2، الذي منحه القانون المذكور بمقتضى المادة 20 لمالكي الكلاب الشرسة من أجل تسليمها للسلطات المعينة، و كذلك أجل ستة أشهر المنصوص عليها في المادة 21 من نفس القانون، والتي جاء فيها: "غير أن أحكام هذا القانون المتعلقة بمزأولة أنشطة الاتجار في الكلاب غير المشمولة في اللائحة المشار إليها في المادة 2 أعلاه وترويضها وتربيتها لغرض تجاري لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد مرور أجل 6 أشهر ابتداء من تاريخ نشر النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقها بالجريدة الرسمية".
وإن كان هذا الأمر له ما يبرره، نجد حالة أخرى تعطل النفاد الفوري للتشريع وهي الحالة التي يتوقف فيها نفاذ القانون المعلن عنه والمنشور بالجريدة الرسمية على صدور ونشر النصوص التنظيمية المتعلقة به، والقانون المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب تنطبق عليه هذه الحالة من خلال المقتضيات الواردة في المادة 21 التي اعتبرت أن الأحكام الواردة في هذا القانون لن تدخل حيز التنفيذ إلا ابتداء من تاريخ نشر النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه.
كما نجد في القانون 56.12 ثلاثة نصوص تنظيمية، ورغم صدور إحداها وهو المرسوم الخاص بالمادة الثانية من القانون المذكور، والذي حُددت بمقتضاه تصنيفات الكلاب الممنوعة لخطورتها بطبيعتها المورفولوجية على الانسان، إلا أن هذا القانون لم يحقق شرط التفعيل ودخول حيز التنفيذ المنصوص عليه صراحة في المادة 21 منه.
وبالرغم من أن المادة 21 من قانون 56.12 اعتبرت بشكل صريح أن دخول أحكام هذا القانون حيز التنفيذ رهين بنشر النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه بالجريدة الرسمية، نجد دورية (4) رئيس النيابة العامة الصادرة بتاريخ 10 أكتوبر 2018 تعلن عن التفعيل الجزئي لهذا القانون في شقه المتعلق بأحكام المادة 2 المتعلقة بالكلاب الشرسة والمصنفة خطر على الإنسان، حيث علل السيد رئيس النيابة العامة ذلك بقوله:" واستنادا لما ورد أعلاه و باعتبار أن المادة 21 من القانون 56.12 المشار إليه أعلاه تنص على أن أحكام هذا القانون تدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشر النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقها بالجريدة الرسمية، تكون المقتضيات الواردة في هذا القانون المتعلقة بأصناف الكلاب الخطيرة المعرفة في المادة 2 قد دخلت حيز التنفيذ."
أ) النجاعة التشريعية لقانون 56.12 :
في هذه النقطة بذات سنكشف حدود النجاعة التشريعية للقانون رقم 56.12 من خلال التطرق للعنصر الباعث على إصداره وحدود قدرة المشرع على احتواء المخاطر التي تتسبب فيها الكلاب الشرسة.
• على مستوى الباعث من إصدار القانون 56.12:
لم تكن الحيوانات الخطيرة على الإنسان محل اهتمام في مجتمعنا المغربي، إلا أن استفحال ظاهرة تربية الكلاب الشرسة في الآونة الأخيرة وتهديدها لأمن وسلامة الساكنة بسبب الخطر الذي تمثله، شكل الباعث الواقعي على إصدار هذا القانون، وقد عبر عن ذلك السيد وزير الداخلية في مذكرته التوضيحية المرفقة بنسخة مشروع قانون 56.12 (5) حيث اعتبر هذا الأخير:" أن التفكير في إعداد هذا القانون جاء نتيجة انتشار ظاهرة تربية وحيازة وامتلاك بعض أصناف الكلاب والتي أضحت تشكل خطرا على أمن وسلامة المواطنين بفعل تسخيرها من بعض المنحرفين لاقتراف أفعال إجرامية."
كما شدد السيد الوزير على الحاجة الملحة لإصدار هذا القانون بتقديمه إحصائيات عن عدد الأشخاص الذين يموتون من جراء إصابتهم بداء السعار، والبالغ عددهم أزيد من 20 حالة وفاة بسبب هذا الداء، كما أضاف أن الكلاب "تعض" سنويا ما يناهز 50 ألف شخص، وما يتطلبه ذلك من نفقات العلاج والتي بلغت 30 مليون درهم تتحملها الجماعات المحلية.
وأمام عدم فعالية الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة، نظرا لغياب مقاربة شمولية تدمج بين الجوانب الوقائية والزجرية. أضحى من اللازم على حد قول السيد الوزير في مذكرته الإيضاحية: " التفكير في ملء الفراغ القانوني الذي ظل يطبع مجال تنظيم امتلاك أو حيازة الكلاب ... وذلك من خلال إعداد إطار قانوني تراعى فيه خصوصيات مجتمعنا ويحيط بجميع الأبعاد الأمنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم امتلاك وحيازة الكلاب، والحفاظ عليها وضمان سلامتها..."
لنستنتج مما تقدم أن الباعث من إصدار القانون 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، هو باعث ذو بعد أمني وحمائي من واقع أضحى يهدد سلامة الأشخاص، فهي مبادرة تشريعية للقضاء على ظاهرة سلبية أصبحت تشكل تهديدا للأمن العام بالمملكة، وبالتالي فالنجاعة التشريعية من حيث الأهداف الخاصة والعامة لهذا النص القانوني ومن زأوية بواعث صياغته تظل قائمة ومحققة بحسب ما تقدم تفصيله.
• على مستوى توفق القانون 56.12 في حماية الإنسان من مخاطر الكلاب الشرسة:
في هذا الصدد سنحاول ملامسة الأثر المحتمل من هذه المبادرة التشريعية، أي هل فعلا أحاط هذا القانون بكل العناصر الكفيلة بحماية الأشخاص من مخاطر الكلاب الشرسة، وملء بذلك الفراغ القانوني الذي بقي يطبع مجال تنظيم وامتلاك وحيازة الكلاب بصفة عامة، أم أن المشرع أغفل بعض النقط الضرورية؟
قبل الخوض في الملاحظات الموضوعية المتعلقة بهذا القانون نسجل ملاحظة أساسية تخص تدبير الزمن التشريعي وتشكل عائقا أمام تنزيل جل القوانين إلى أرض الواقع، ونخص بالذكر هنا تاريخ إصدار النص التشريعي وتاريخ التفعيل، فالقانون المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من مخاطر الكلاب تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 غشت 2013، بينما تم تفعيل بعض مضامينه بشكل جزئي بتاريخ 2 غشت 2018، وهو التاريخ الذي نشر فيه المرسوم رقم 2.18.456 بتطبيق المادة 2 من القانون 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، فما بين تاريخ إصدار القانون وتاريخ إصدار النص التنظيمي مرت زهاء خمس سنوات، وهو أمر خطير وغير مبرر، خاصة وأن الباعث من وراء تنظيم هذا الموضوع لا يستحمل التأخير فهو يتعلق بالنظام العام، ويمس مباشرة أرواح المواطنين وأمنهم الخاص.
فإلى من يعود هذا التأخير؟ ومن يتحمل المسؤولية التشريعية عنه، علمنا أن السيد وزير الداخلية في عرضه التقديمي للمشروع أعلن صراحة وبكل مسؤولية أن مسودة النصوص التطبيقية للقانون صارت جاهزة فكيف وقع هذا التأخير؟ وما هي الأسباب والدواعي التي جعلت بعض الأحكام المتعلقة بهذا القانون - وإلى يومنا هذا - لم تدخل حيز التنفيذ بسبب عدم نشر النصوص التنظيمية المتعلقة بها بالجريدة الرسمية، كالمادة 4 التي تحدد الواجبات المفروضة على كل شخص يملك أو يحوز كلبا يفوق عمره 3 أشهر من الأصناف غير الواردة في اللائحة المشار إليها في المادة 2، والمتمثلة في وجوب التصريح لدى الجهات المختصة، والتوفر على دفتر صحي خاص بالكلب وتلقيحه ضد السعار.
أما على مستوى الموضوع، واستنتاجا مما تقدم تفصيله في هذه الدراسة يمكننا القول إن المشرع المغربي توخى قدر الإمكان الموازنة بين حق الأشخاص في امتلاكهم الكلاب واستعمالها لأغراضهم الشخصية وحماية النظام العام من خلال ضمان السلامة الجسدية للناس، حتى يكون كل مواطن مغربي آمنا في جسده مطمئنا في الفضاء العمومي المشترك، مع الحرص الشديد على احترام حقوق الحيوان، فعلى حد قول السيد وزير الداخلية في عرضه بمناسبة تقديم مشروع القانون رقم 56.12 مخاطبا الهيئات المدافعة عن حقوق الحيوان:" فلتطمئن الجمعيات المهتمة بحقوق الحيوان وليوقنوا أن القانون ليس موجها ضد الكلاب، بل يستهدف بعض أصناف الكلاب الخطيرة بطبيعتها وبعض الاستعمالات المنحرفة التي تحرج الكلاب عن ألفتها لتشكل مساسا محدقا بسلامة المواطنين الجسدية و النفسية وتهديدا لأمنهم."
ونظن من جانبنا أن هذه الموازنات حدت بالمشرع إلى التريث في تنزيل هذا القانون، بل وتأخره في تفعيل بعض أحكامه الخاصة المتعلقة بتنظيم تعايش الأفراد بالكلاب الأليفة غير مشمولة بمقتضيات المادة 2.
نزاعات وضرب للعيش المشترك بسبب الكلاب:
كما أن المشرع لم يربط هذا القانون ببعض القوانين السارية المفعول إعمالا لمبادئ الحكامة التشريعية على مستوى إصدار النصوص القانونية التشريعية، إذ لم يتطرق فيه إلى تنظيم حالة تملك الكلاب وحيازتها في العقارات التي تخضع لنظام الملكية المشتركة، خاصة وأن هذا النوع من الإقامات السكنية المشتركة بدء يعرف تنامي هذه الظاهرة فأضحت الكلاب تترك بشرفات المنازل وداخل الشقق، الأمر الذي يتسبب في إزعاج الساكنة ويترتب عنه نزاعات قد يصل عدد منها إلى المحاكم، كل ذلك في ضرب سافر لمبادئ العيش المشترك داخل العمارات و الإقامات السكنية المنظمة بموجب القانون (6).
وأمام هذه الحالة السلبية التي لم يتطرق إليها القانون المذكور بادر الفريق الاشتراكي في إطار مقترح قانون باقتراح تعديل كل من المادتين 2 و10، و المتمثل في تعديل يهم منع تملك سكان الإقامات والمباني السكنية المشتركة لأكثر من كلب واحد وفي حالة ثبوت ذلك الخضوع للغرامات المنصوص عليها في المادة 10، مع الرفع من قيمة هذه الأخيرة إلى الضعف.
الملاءمة التشريعية تظل مطلبا ملحا لتحقيق النجاعة التشريعية:
كما نثير الانتباه أيضا، إلى أن تأخر دخول النص المتعلق بوقاية الأشخاص من أخطار الكلاب حيز التنفيذ، قد ساهم وبشكل غير مقصود في الدفع بالمشرع إلى تدارك الفراغ القانوني الذي مازال قائما بشأن إيواء الحيوانات الخطيرة بالعقارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة، وهذا ما عايَنَّاهُ في المادة 18 من المرسوم الصادر بتحديد النظام النموذجي للملكية المشتركة(7) والتي تعرضت بالتنظيم لحالة إيواء الحيوانات الخطيرة، حيث اعتبرت هذه المادة أنه: " لا يتم إيواء الحيوانات الخطيرة أو التي يترتب عليها إخلال بهدوء المبنى ونظافته أو بسلامة القاطنين. يتحمل أصحابها جميع الأضرار التي تتسبب فيها للملكية المشتركة." الأمر الذي قد يترتب عنه وبغير قصد ارتباك تشريعي على مستوى تنزيل وتفعيل مضامين القانون رقم 56.12، خاصة أن هذا الأخير يتعلق بحماية الأشخاص ووقايتهم من أخطار الكلاب بصفة عامة، في حين أن هناك بعض الفضاءات السكنية التي تخضع لأنظمة خاصة ،كما هو الشأن بالنسبة للشقق والعمارات والإقامة السكنية التي تستلزم مقاربة مختلفة في إيواء الحيوانات وهي فضاءات لم يشملها القانون موضوع التحليل بالتنظيم، وبالتالي فالملاءمة التشريعية تظل مطلبا ملحا لتحقيق النجاعة التشريعية.
على سبيل الخاتم:
بعد انتهائنا من تفصيل وتحليل أهم مضامين القانون رقم 56.12، المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، وذلك في إطار تبصير الناس بالحقوق والالتزامات الواقعة على عاتقهم، نهيب في الختام بمشرعنا المغربي والفاعلين الحكوميين التفضل بتدارك بعض النقط والأحكام التي نرى من موقعنا البحثي ضرورة إدراجها في النص القانوني موضوع التحليل وذلك مساهمة منا في تجويده، وإعطائه بعدا حمائياً أكثر فعالية.
مقترحات:
1) إلزام كل مالك لكلب بضرورة التوفر على بوليصة التأمين على المسؤولية، وذلك لضمان العواقب المالية للمسؤولية المدنية التي قد تقع على عاتقه، نتيجة الأضرار الجسدية والمادية أو غير المادية التي قد يتسبب فيها الكلب الذي يوجد تحت مسؤوليته.
2) النص على ضرورة التوفر على إذن، أو رخصة التملك، أو الحيازة، أو الحراسة بالنسبة للأشخاص الطبيعيين إسوة بالأشخاص المعنوية.
3) تحديد السن القانونية التي تخول مرافقة أو ملكية الكلاب بكل أصنافها.
4) إنشاء مرصد وطني لمراقبة وتتبع سلوكيات الكلاب، وتحديد أدواره المتمثلة في تقديم الاستشارة، والمراقبة، والتكوين، والتوعية الاجتماعية، وكذا منحه صفة خبير معتمد لدى المحاكم.
5) إدراج حالة الكلاب المتشردة، وبيان المساطر ضرورية للحد من خطورتها، مع تحديد الجهات المتدخلة على وجه الدقة.
هوامش:
1) ظهير شريف رقم 1.13.69 صادر في 27 يوليوز بتنفيذ القانون رقم 56.12، المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، الجريدة الرسمية عدد 6177 بتاريخ 12 غشت 2013، بالصفحة 5731.
2) "المورفولوجيا" هو علم التشكل في علم الأحياء، وهو علم يهتم بدراسة شكل وبنية الكائنات الحية وخصائصها المميزة من ناحية المظهر الخارجي، وكذلك شكل وبنية الأجزاء الداخلية، مثل العظام والأعضاء.
3) ملحق بالقرار المشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالفلاحة المحدد للائحة الكلاب الخطيرة المنصوص عليها في المادة 2 من القانون 56.12، وهي الأصناف المنتمية للسلالات التالية: 1- ستافوردشايير بول تيريي (Staffordshire Bull Terrier) أو ستافوردشايير بول تيريي الأمريكي (Américain Staffordshire Bull Terrier) ويقال لها كلاب البيتبول (Chien ditPitbull) 2- الماستيف (Mastiff) ويقال لها كلاب البويربول (Boer bull) 3- الطوسا (Tosa)، وذلك بالجريدة الرسمية عدد 6696 بتاريخ 2 غشت 2018.
4) دورية رقم 40 س/ر ن ع الموجهة من رئيس النيابة العامة إلى السادة الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف والسادة وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، حول القانون رقم 56.12 المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب بتاريخ 10 أكتوبر 2018.
5) أنظر تقرير لجنة الداخلية والجهات والجماعات المحلية حول مشروع القانون رقم 56.12 المتعلق ب"وقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب" الأمانة العامة قسم اللجان، البرلمان مجلس المستشارين الولاية التشريعية 2006-2015، دورة أبريل 2013.
6) قانون 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، كما وقع تتميمه وتغييره.
7) المرسوم رقم 2.17.354 الصادر في 3 صفر 1439 (23 أكتوبر 2017) بتحديد النظام النموذجي للملكية المشتركة، بالجريدة الرسمية عدد 6635 بتاريخ فاتح يناير 2018، بالصفحة 3.