عبد الحق الكواني: أتحفظ على نقل التجربة الدينية المغربية لأوروبا

عبد الحق الكواني: أتحفظ على نقل التجربة الدينية المغربية لأوروبا

يرى عبد الحق الكواني، رئيس المجلس الفقهي لرابطة الجمعيات الإسلامية الألمانية، أن الإسلام المغربي (المعتمد في الأحكام الفرعية على المذهب المالكي، وفي الأحكام العقدية على المذهب الأشعري، وفي السلوك على التصوف السني الجنيدي)؛ يعد نموذجا بارزا جعل من المملكة المغربية قبلة للدول والمؤسسات الإسلامية من شتى بقاع العالم للاستفادة من منهجيتها ونموذجها، إلا أنه يتحفظ على نقل التجربة المغربية كما هي للواقع الأوروبي، على اعتبار أن هذا الأخير ليس خالصا للمغاربة حتى ينقلوا تجربة بلادهم كما هي إلى أوروبا. وقال بأن  علماء المغرب عليهم أن لا يحرصوا على أن يقدموا الإسلام المغربي كبديل ولكن كمتمم ومكمل، معتقدا أن الإسلام المغربي يتضمن ما يمكن من القيام بهذا الأمر بشكل ناجح...

+ ما هي التحديات التي تطرح بين فهم الواقع الأوروبي وتحرك العلماء، خصوصا من حيث تجاذب الإسلام المغربي وغيرها من المذاهب؟

- لا شك أن الإسلام المغربي (المعتمد في الأحكام الفرعية على المذهب المالكي، وفي الأحكام العقدية على المذهب الأشعري، وفي السلوك على التصوف السني الجنيدي)؛ يعد نموذجا بارزا جعل من المملكة المغربية قبلة للدول والمؤسسات الإسلامية من شتى بقاع العالم للاستفادة من منهجيتها ونموذجها..إلا أن لي تحفظا كبيرا على الدعوة إلى نقل التجربة المغربية كما هي للواقع الأوروبي، لأن الواقع الأوروبي ليس خالصا للمغاربة حتى ينقلوا تجربة بلادهم كما هي إلى أوروبا.. فنجد في بعض البلاد الأوروبية الأتراك الحنفية في الفروع والماتريدية في الأصول، ونجد الباكستان والهنود الحنفية من حيث الفروع والديوبندية من حيث الأصول، ونجد سكان الشرق الأوسط الشافعية الأصول، كما نجد الشيعة الإثني عشرية وغيرهم من الطوائف والحركات والأحزاب...بل إن المغاربة في بعض البلاد يعدون أقلية مسلمة بين المسلمين؛ كما هو الشأن في ألمانيا التي يشكل فيها الأتراك أغلبية، وكما هو الشأن في بريطانيا التي يشكل فيها الباكستانيون والهنود المسلمون فيها أغلبية....

إن المغاربة في أوروبا يعيشون في واقع مفتوح متعدد المذاهب الفقهية والعقدية والأفكار والتيارات الجدلية.. والتحدي الكبير الذي نواجهه هو كيف نعمل على الحفاظ على ثوابتنا الدينية وتراثنا المغربي؛ وبين الاندماج والتفاعل مع  القيم الأوروبية والقواعد الكبرى القانونية والفكر الأوربي، ومع المدارس والمذاهب المختلفة للمسلمين خصوصا؛ بحيث نتفاعل التفاعل الإيجابي أخذا وعطاء مع مكونات المجتمع المسلم وغير المسلم.

+ وأين هو الإسلام المغربي، وسط كل هذه المذاهب والتيارات؟

- ينبغي على علماء بلادنا أن لا يحرصوا على أن يقدموا الإسلام المغربي كبديل ولكن كمتمم ومكمل، وأعتقد أننا نملك في الإسلام المغربي ما يمكننا من القيام بهذا الأمر بشكل ناجح.. فإن من خصائص المذهب المالكي قاعدة مراعاة الخلاف، والتوسع في الأخذ بالمصالح المرسلة... وهي قواعد تساعد على الاندماج والتكامل والتفاعل والتعايش والتسامح وليس على الانطواء والتقوقع والإقصاء.. وممن مميزات الإسلام المغربي أنه عايش الأوروبيين وخبر حياتهم؛ فإن جزءا كبيرا من التراث المالكي أوروبي المنشأ.. فعندما نتحدث عن الإمام المازري وابن العربي والقرطبي صاحب المفهم والقرطبي صاحب الأحكام وابن جزي، فنحن نتحدث عن فقهاء مالكية أوروبيين.. وعليه فجزء كبير من الإسلام المغربي فيه ما يتوافق مع البيئة الأوروبية..

ويبقى التحدي الأكبر هو إقناع الأجيال المتعاقبة من أبناء المغاربة بالإسلام المغربي وأسسه كأصل ينبغي عدم تجاوزه وتناسيه، في ظل ما يطرح اليوم في أوروبا من أطروحات وأفكار من قبيل فكرة "الإسلام الأوربي"...

+ ما الذي يميز الوضع الديني للمغاربة في أوروبا، سواء من حيث ممارسة شعائرهم، أو الأخطار التي تهدد عقيدتهم؟

- المغاربة في أوروبا متدينون بحمد الله ومنفتحون وأهل وسطية واعتدال، هذا على العموم، ولا أدل على ذلك من الإقبال الشديد والملاحظ على المساجد والمراكز لحضور الصلوات الخمس وفي الجمع والأعياد وفي رمضان بشكل أخص، رغم ضيق الوقت حيث أن الفارق بين صلاة العشاء والفجر هو ثلاث ساعات فقط؛ ومع ذلك تجد الناس رجالا ونساء وأطفالا وشبابا يقبلون على بيوت الله لأداء الشعائر وإحياء الليالي والالتفاف حول الوعاظ والأئمة رغم التزامات العمل، وكثرة الأشغال، والبعد الجغرافي أحيانا؛ حيث إن بعض المساجد تبنى في الضواحي بعيدة عن التجمعات السكانية للمسلمين.أما من حيث الأخطار التي تهدد عقيدة المسلمين، فيمكننا التمييز هنا بين نوعين من الأجيال:

الجيل الأول أو جيل الأباء: الذين قدموا لأوروبا مهاجرين لأسباب مختلفة كالعمل، أو الدراسة. فهؤلاء مرتبطون بالأصول المغربية وتجد فيهم آثار الإسلام المغربي عملا وعقيدة، وسلوكا ولا يخشى من حصول تأثرهم بالأفكار والمذاهب الأخرى لأنهم متعلقون ببلادهم ويبقى أمل العودة للوطن حلما وهدفا رغم صعوبات تحققه في الواقع بحكم الارتباطات المادية والعلاقات الاجتماعية..

الجيل الثاني والثالث، أو جيل الأبناء والأحفاد: الذين ولدوا في هذا العالم المفتوح، فتجدهم عرضة لكل المذاهب والأفكار والتيارات الصالحة والطالحة، ولذلك نجد فيهم شيعة وقاديانية، بل ونصارى، وأتباع التيارات المتطرفة وأنصار الإسلام الليبرالي والتاريخانية وغيرها من الأفكار..

ويزداد الخوف من التأثر بهذه الأفكار والمذاهب والمناهج في غياب التأطير الديني الصحيح والفوضى الإفتائية والتسييرية في إدارة المساجد والمراكز الإسلامية وعدم وجود رؤية واضحة المعالم في النهوض بالعمل الدعوي ورسالة المساجد..

+ البعض يؤاخذ البعثات المغربية التي ترسلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لأوروبا، خصوصا في شهر رمضان، بأنها غير مدركة لواقع مغاربة أوروبا، وبينها وبينهم هوة كبيرة، خصوصا مع فئة الشباب، هل تتفق مع هذا الرأي؟

- نعم أوافق هذا الرأي تماما، مع الشكر الواجب لوزارة الأوقاف على هذه الالتفاتة المهمة، والمبادرة المشكورة؛ إلا أنها مبادرة تحتاج إلى حسن تدبير واستثمار وتكوين.. نعم هناك دعاة ووعاظ توفدهم وزارة الأوقاف ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج قد كونوا، بحكم كثرة ترددهم على الديار الأوروبية، فكرة عن واقع المسلمين ومشاكلهم؛ لكن يبقون قلة قليلة.

في المقابل هناك علماء يقدمون لأوروبا، وهم أكثرية، من دون خلفية وربما أفسدت من حيث أنه تظن أنها تنفع بالحديث في الأمور الخلافية تفرق بين المغاربة وإخوانهم المسلمين من مختلف الجنسيات، أو بالحديث في قضايا تخالف القيم والمنطق الأوروبي فتعرض المسجد للإغلاق من طرف الحكومات الأوربية، أو بالحديث في مواضيع لا تلبي حاجيات الشباب المسلم الأوربي؛ الذي صار يبحث عن العلل والحِكم وعن المقاصد والغايات لا عن مجرد الأحكام الجاهزة...

ولكم كان للفتاوى التي يصدرها بعض ضيوف رمضان من بلابل وقلاقل لعدم العلم والإحاطة بالواقع، وكما تعلمون فالعلم بالواقع والعادات والأعراف شرط لازم في الإفتاء.

+ طبعا هناك خطر يتهدد أبناء المغاربة، ويتعلق بهذه الجماعات المتطرفة، في نظرك، لماذا يلاحظ ارتفاع نسبة الانضمام لداعش، وما الذي يغري بذلك؟

- الجواب عن هذا السؤال في الحقيقة يحتاج إلى جلسة كاملة؛ لأنه موضوع طويل، ولأن من يتحمل المسؤولية فيه جهات كثيرة.لكن اختصارا أقول إن من أسباب اغترار شبابنا في أوروبا بتنظيم  "داعش" وأمثاله من التنظيمات المتطرفة ما يلي:

1- عدم الاهتمام بقطاع الشباب ذكورا وإناثا في برامج المساجد والمراكز الإسلامية بالديار الأوربية مما يحدث القطيعة بينهم وبين المساجد، فتصير المساجد أماكن للركوع والسجود فقط وليست مصادر الأفكار والرؤى، فيبحث الشاب عن فضاءات أخرى للتثقيف الشرعي فلا يجد أمامه إلا الشبكات العنكبوتية التي تغذي صفحاتها الشباب المسلم بهذا الفكر الضال.

2- عدم متابعة المسلمين الجدد من حيث التكوين والتحصين والعلم بحاجياتهم، فبمجرد إسلامه يكتفي المسلمون بالتكبير فرحا بإسلامه ولا تجد في المراكز الإسلامية لجانا خاصة بمتابعتهم مما يجعلهم صيدا ثمينا للمتطرفين.

(والسبب الأول والثاني مردهما إلى عدم الكفاءة في من يسير المؤسسات الإسلامية كالمساجد والمراكز وبعض المؤسسات التمثيلية..).

3- تقصير الأئمة في موضوع لغة البلد؛ ما يجعل التواصل بينهم وبين الشباب المسلم بهذه البلاد ضعيفا، ويعطي فرصة لاستماع الشباب للدعاة المتجولين الذين يمتازون بإتقان لغة البلاد الأوروبية مع ضعف التكوين الشرعي وطغيان الخطاب الحماسي..

4- التفريط في الجانب الالكتروني، فلا تجد مواقع إلكترونية تجيب عن الأسئلة الفكرية والعقدية للشباب ولا المواضيع التي يلبس بها المتطرفون على الشباب المسلم في الغرب من قبيل.. موضع التكفير، الهجرة، الخلافة، البراء..

5- عدم فقه كثير من الأئمة بمشاكل الشباب وحاجياتهم المعرفية، فتجد بعض الأئمة يتحدثون في مواضيع لا تهم الجالية المسلمة في أوروبا من قريب أو من بعيد؛ فتجد الواحد منهم يتحدث في قلب برلين ولندن عن حكم التبرك ببويا عمر وسيدي ميمون، وعن مشاكل بنكيران وشباط.. غافلا عن قضايا فكرية كالتكفير وضوابطه، وأصول التعامل مع غير المسلم، وحقوق المواطنة، والمشاركة السياسية في البلاد الأوربية.... وغيرها من المواضيع التي تحتاج تأصيلا وعمقا في الطرح.

6- الفتاوى المستوردة من بلاد الشرق والمتأثرة بالفكر السلفي الوهابي؛ من قبيل تحريم الإقامة ببلاد الكفار باعتبار أنها بلاد حرب، الولاء والبراء، وجوب الهجرة، وتحريم الحصول على الجنسية، تحريم المشاركة السياسية في البلاد الأوربية، وجوب قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم.. وغيرها من الفتاوى التي لا يزال كثير من المشايخ في البلاد الإسلامية شرقا ومغربا، والتي تصل الشباب هنا فيعظمونها لتعظيمهم للقائلين بها من العلماء والمفتين المشهورين في البلاد العربية والإسلامية..

7- الإعلام الأوروبي الذي ينتهج سياسية التشويه والتحريض ضد الإسلام والمسلمين ويعمل على الإقصاء وجعل المسلمين كلهم في خندق واحد؛ مما يولد في الشباب المسلم الحقد ضد البلاد والعباد.

8- بعض الأحزاب  السياسية والساسة ذوو النزعة العنصرية الذين يصرحون بتصريحات ضد الإسلام والمسلمين ويستصدرون قوانين تمنع المسلم لكونه مسلما من حقوقه وحريته الدينية، وهو ما يؤثر على شعور الشباب بمعاداة الدول الأوربية لللإسلام والمسلمين؛ وينتج عنه حب الانتقام ..

9- عدم المتابعة والتأطير الصحيح من طرف بلداننا الأصلية للشأن الديني في أوروبا..

+ ما هو دوركم من أجل حماية الأمن الروحي للمغاربة من خلال مركزكم؟

- نعمل بحمد الله تعالى منذ تولينا المسؤولية كرئيس للمجلس الفقهي لرابطة الجمعيات الإسلامية الألمانية بالراين ماين، وإمام وخطيب مسجد عثمان بن عفان بـ "روسلسهايم" وهو من أكبر المساجد بضواحي فرنكفورت ويشهد حضورا كثيفا من طرف الشباب المغربي وغيره؛ على إرساء أسس الوسطية والاعتدال واعتماد نموذج الإسلامي المغربي كجزء من كل، لا كبديل مع مراعاة قواعد الإفتاء في المستجدات النوازل.ونحاول التركيز على الشباب المسلم من حيث التكوين والتثقيف عقد الدورات العلمية والترفيهية لإيجاد من أجل حمايتهم من كل التيارات والأفكار الهدامة... والله نسأل الثبات والتوفيق والإخلاص في القول والعمل.