من حق المغاربة أن يقولوا: "لا داعي لتكرار الإخفاق الرياضي". ومن حقهم أن يأخذوا هذا الإخفاق على محمل الجد، وألا يعتبروه أمرا عرضيا. فبعد سنوات من "التطبيل" انكشفت اللعبة أخيرا، في الكوت ديفوار، واكتفى المنتخب المغربي بحصاد الريح والعودة بخفي حنين إلى دياره. إخفاق له علاقة بتضخيم قصة المونديال، وله علاقة بالحقائق المدفونة تحت جبل من الأكاذيب.
إن أفضل طريقة لفهم الأمور السيئة التي وقعت هو أن نصدق فقط ما تطلعنا عليه الأرقام والإنجازات والبطولات «البالماريس»، وليس «التجييش الإعلامي» و«الذباب الالكتروني» و«البرامج الإذاعية أو التلفزية المستوية الأضلاع». فالمهندس الزراعي فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، ليس معصوما من الخطأ، وتوجيه الخطاب إليه بالتهليل والتسبيح شيء مناف للمنطق العقلاني والديمقراطي، ولا يعير أي أهمية لربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد أخفقنا. هذا ما ينبغي ألا نتجنب النظر إليه. الإخفاق موجود أمامنا، والمسؤول المباشر عنه هو رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم. علينا أن نكون في منتهى الصدق لنرى ذلك. أما الذين يملكون الطاقة على تحويل الهزيمة الشاخصة إلى انتصار بَيِّن، والبهدلة المفضوحة إلى عرس مفتوح على الأهازيج، فمن حقنا عليهم أن يصمتوا قليلا، وأن يدركوا أن تقديس فوزي لقجع هو أعظم مشكلة على الإطلاق في التعامل مع الشأن الكروي في بلادنا.
فلا يكفي أن تكون وزيرا مكلفا بالميزانية، ولا يكفي أن تكون بارعا في ملاحقة المناصب، ولا يكفي أن تنطلي «حزبيتك» على رئيس الحكومة، وعلى أي جهة ترغب في استمرارك، لتضمن الإمساك بالمقود على الدوام، وأن ينتظر المغاربة جميعهم متى تنتهي المعضلة، وأن يظلوا على جهل بما يحل بهم، بل أن يبلعوا لسانهم وينتظروا معجزة السماء!
فمن هو فوزي لقجع الذي يثبت باستمرار أنه نقيض ما ننعته به؟ فمنذ توليه شأن الكرة قبل عشر سنوات (2014) وإعادة انتخابه مرة ثانية (2017) وثالثة (2022)، عمل على خلق بيئة إعلامية ورياضية تسمح له بمتابعة التنفس باطمئنان، وأحاط نفسه بالدفوف والطبول والزغاريد، الأمر الذي ساعد في إضفاء هالة من التقديس على شخصه، والحال أن هذا الرجل أتيح له ما لم يتح لغيره من أموال ليصنع كرة قدم احترافية حقيقية، لا تقتصر على المنتخب الوطني الأول «علما أن هذا الفريق على الوجه الأعم ليس منتوجا محليا، وأغلب لاعبيه من أبناء المغتربين الذين زاولوا الكرة في أنديتهم الأوروبية أو العربية».
والسؤال الذي نطرحه هنا: هل انتقاد فوزي لقجع ومطالبته بتقديم الحساب «حنجرة مجانية» يقدمها المنتقدون لخصوم المملكة حتى يغرزونها في ظهرها؟ هل هذا سبب منطقي وموضوعي وديمقراطي لترك هذا الرجل يفعل ما يشاء؟
هل يكفي أن نشهر الإنجاز التاريخي لأسود الأطلس بمونديال قطر، لنسلم بأن كرة القدم الوطنية حققت طفرة غير مسبوقة ضمن سلسلة من تعاقبوا على رئاسة الجامعة الملكية لكرة القدم؟
لابأس من التذكير بأن فوزي لقجع مسؤول رياضي ووزير سياسي، وبأن كل مسؤول يتعرض للمحاسبة، ويتوجب عليه إذا أخفق أن يرمي المنديل بكل روح رياضية، كما تتطلب ذلك اللعبة الديمقراطية. أما أن نتعرض للبهدلة في واضحة النهار، وأن نخرج من الباب الضيق للكان الإفريقي، ونستمر في ترديد «الأراجيف»، وإعلان التمسك بـ «قاهر الجبابرة» في الاتحاد الإفريقي، وأن نوهم المغاربة أن الرجل يساوي جيشا عرمرما مناهضا لأعداء الوحدة الترابية، كما يردد المأجورون أو المخدوعون ضدا على أبواق العسكر الجزائري التي حولته إلى «أسطورة»، فأمر لا يستسيغه عقل، ولا يمكن الأخذ به، اللهم إلا إذا أصبحت كرة القدم من المقدسات، وشأنا لا ينبغي على الشعب أو ممثليه مناقشته.
إن المطالبة بمحاسبة رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم على الإخفاق المذل ببطولة الكان بالكوت ديفوار، لا تعني إطلاقا إذكاء نار الحقد عليه، بل تعني أساسا إعمال أداة ديموقراطية لا تركن إلى تجاهل النكسة، ولا إلى صرف النظر عن استمرار الفشل، وإلا ما هي الألقاب الكبرى التي تحققت للمنتخب المغربي على الصعيد القاري والعربي والدولي، طيلة 10 سنوات من تولي لقجع رئاسة الجامعة الملكية، اللهم فوز المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة بكأس إفريقيا أمام منتخب مصر بالرباط (يوليوز 2023)، إضافة إلى فوز منتخب الكرة داخل القاعة بالبطولة العربية «ثلاثة مرات متتالية» والإفريقية وكأس القارات (2022)؟ الجواب هو «لاشيء». الإخفاق لخمس مرات في كأس إفريقيا للأمم، والاكتفاء بإلقاء اللوم على الرطوبة وأحوال الطقس الحار وأرضية الملاعب الإفريقية، وكأن «الأسود» لا رئات لهم ولا أقدام، وكأنهم لا يستفيدون من التربصات والمباريات الإعدادية كباقي المنتخبات الأخرى، بل كأنهم لا ينتمون إلى إفريقيا، ولا يعرفون طقسها وأدغالها!!!!
نعم، إن «التعصب المفرط» ينبغي أن يكون للوطن لتظل رايته خفاقة عاليا، أما أن نزيغ عن الحقائق، ونتعصب لشخص ما، علما أن ما تحقق في عهده، على صعيد المنتخبات الوطنية أو الأندية المغربية، يبقى دون المستوى المطلوب، ودون مستوى الملايير التي وضعت تحت إشارته «لا ينبغي أن ننسى أن القجع هو الوزير المكلف بالميزانية».
فإذا، تركنا إخفاق المنتخب الوطني في المناسبات القارية الكبرى وعجزه عن الفوز بكأس إفريقيا لمدة تناهز نصف قرن «منذ 1976 والمغرب يلاحق الكأس دون أن يدركه»، فإن مجموعة من الأندية الكروية المغربية، على مستوى البطولة الاحترافية وقسم الهواة، ظلت إلى الآن تعيش على وقع أزمات مالية وتدبيرية هيكلية بسبب سوء الحكامة، الأمر الذي انعكس عليها سلبا، وأغرقها في مأزق المديونية المتفاقمة؛ وتستوي في ذلك حتى الأندية الكبرى التي تلعب على الألقاب الإفريقية والعالمية. وهذا يعني أن الأندية الوطنية تعيش، في عهد فوزي لقجع، مشاكل بنيوية مستعصية، إلى درجة أن أغلب الفرق تواجه نزاعات مالية متعددة مع اللاعبين والمدربين، وهو ما يتيح، حسب مجموعة من المتتبعين للشأن الكروي، لرئيس الجامعة التكلف بأداء تلك التعويضات، إمعانا في إرضاخ الفرق لسطوته، في لعبة لتبادل المنافع. فبينما يصبح الرئيس «وليا دائما للنعمة» وصاحب نفوذ خارج المحاسبة، فإن الفرق تستغل هذا «الكرم الحاتمي» بوصفه فرصة لا تعوض لها لتفادي النفقات.
قد يقول قائل إن الأندية الوطنية حققت عدة ألقاب قارية، في عهد لقجع، مثل فريق الرجاء البيضاوي الذي فاز بكأس الكونفدرالية الإفريقية سنتي 2018 و2021، وكأس السوبر الإفريقي سنة 2019، ثم كأس العرب 2020؛ وفريق الوداد الذي فاز بدوري أبطال إفريقيا سنتي 2017 و2022، وكأس السوبر الإفريقية 2018؛ وفريق النهضة البركانية الذي فاز بكأس الكونفدرالية الإفريقية مرتين 2020 و2022. غير أن أغلب الأندية الوطنية ما زالت تعاني، ليس فقط من خلوها من الأطر العليا المتخصصة في التدبير المالي والإداري، بل من عجز فوزي لقجع، المنتشي على الدوام بإنجاز المونديال القطري، عن ملء دفتر التحملات الذي التزم بتنفيذه على أرض الواقع، إذ ما زالت أغلب الفرق الوطنية، بمن فيها الوداد والرجاء والجيش والمغرب التطواني والنهضة البركانية، تفتقد إلى ملاعبها الخاصة، وهو ما أظهره الاستعداد لكأس إفريقيا (2026) وكأس العالم (2030) حين فرضت أشغال تهيئة وترميم الملاعب المختضنة للمباريات على بعض الفرق طلب اللجوء إلى المدن القريبة لإجراء مبارياتها، بسبب «مخطط تأهيل ملاعب» «ملعب طنجة الكبير، مركب محمد الخامس في الدار البيضاء، المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، ملعب أكادير الكبير، ملعب مراكش الكبير، المركب الرياضي بفاس..». فأين هو التطور الملموس في البنى التحتية الكروية بالمملكة، خارج «الماكيطات» «المجسمات الكارتونية»؟ أين هي ملاعب الفرق؟ وأين هي الأكاديميات الكروية الجهوية التي ينبغي أن تستثمر فيها هذه الفرق، وتراهن عليها من أجل تحقيق الفارق. ذلك أن الجامعة كسرت بوصلة التكوين باحتكار «أكاديمية محمد السادس» وإنشاء فروع جهوية لها، بينما أصبحت أغلب الأندية تركز على الاستثمار في الانتدابات؟
هناك أيضا من يقول إن فوزي لقجع سفير يدافع بكل اقتدار وحنكة عن وطنه في كل الهيئات الدولية وفي شتى المحافل القارية والعالمية، غير أن «المزايدة بالوطنية» أمر لا يجوز حين نتحدث عن ضرورة اقتران المسؤولية بالمحاسبة، فكل مغربي سفير لوطنه في مجال اشتغاله، على المستوى الرياضي والفني والثقافي والعلمي والاقتصادي والجمعوي. فلماذا يصر البعض على صنع الالتباس وإرغام المغاربة على التعامل مع فوزي لقجع كصاحب كرامات ومعجزات؟
فالمنطق الديمقراطي يُحتِّم أن يعترف رئيس جامعة الكرة بالخسارة والعجز، وأن يسلم بأن وجوده على رأس الجامعة لمدة عقد بكامله دون أي ألقاب قارية شيء غير ملائم ولا يمكن القبول به. الأمر الذي يفرض عليه أن يخرج إلى الرأي العام المغربي بوجه مكشوف، ويعلن استقالته من منصبه، بدل أن تظل كرة القدم المغربية لسنوات أخرى تعاني من التقرح المستدام. هذه هي القاعدة الذهبية للديمقراطية، وهذا هو الرهان الذي ينبغي أن ينجح فيه المغرب، إذا كنا نريد بالفعل أن نعتنق الجدية «كمنهج متكامل يقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص»، كما جاء في الخطاب الملكي لعيد العرش 29 ) يوليوز 2023).
على فوزي لقجع بكل روح رياضية أن يسلم مفاتيح جامعة كرة القدم للخلف. وله أن يكرس كل وقته لملء مهمة واحدة بوصفه رئيسا لـ "لجنة كأس العالم "2023. من يدري؟ ربما تستقيم الأمور. ولا بد من المحاولة.