حل السياسي محمد الشيخ بيد الله، وزير الصحة السابق والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس مجلس المستشارين سابقا وأحد مؤسسي جبهة البوليساريو، ضيفا على برنامج "بصمات" الذي تبثه قناة M24، وتطرق في حوار مفصل إلى محطات ساخنة من مساره المهني والسياسي، بدءا بمساهمته في تأسيس نواة للطلبة الصحراويين بالرباط، مرورا بالأخطاء السياسية الكبرى التي واكبت تأسيس جبهة البوليساريو، والدور الليبي والمعارضة المغربية في الجزائر في تعزيز الدعوة إلى الانفصال وحمل السلاح، وصولا إلى ما يعيشه ملف الصحراء من انعطافات ديبلوماسية مهمة..
"أنفاس بريس" تنشر أبرز مضامين هذا الحوار:
بعد وفاة وزير الداخلية إدريس البصري، أصبح هناك حديث عن المفهوم الجديد للسلطة، كيف دبرتم هذه المرحلة؟
قبل هذا الحدث، عشت حدثا كبير بوفاة جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، حيث انتقلت ساكنة آسفي أفواجا أفواجا الى مقر عمالة آسفي، وقد قررت حينها المبيت في مقر العمالة.
كانت سيارات الإسعاف تنقل كل ساعة الأشخاص المغمى عليهم أمام مقر العمالة إلى المستشفى، كما انتقل بعضهم مشيا على الأقدام إلى الرباط بعد منعهم من التنقل عبر الحافلات والشاحنات، ومنهم من قطع أكثر من 100 كلم قبل منعهم من مواصلة الطريق من طرف الدرك الملكي.
عشت لحظة صعبة جدا، وكنت وقتها قد جئت من تندوف مباشرة إلى طانطان، ومن هناك انتقلت عبر السيارة مباشرة إلى آسفي.
حينما نتحدث عن المفهوم الجديد للسلطة، فنحن نتحدث عن عدد من المكتسبات التي راكمتها بلادنا: هيئة الإنصاف والمصالحة، جبر الضرر، تعزيز دور المجتمع المدني. هل بدأت هذه المكتسبات مع تلك المرحلة؟
مقولة المفهوم الجديد للسلطة تعود إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس. الأمر يتعلق ببرنامج كبير، ولا يتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي مكنت من تجفيف منابع الهشاشة والفقر في جميع جهات المملكة، وخولت للمجتمع المدني الاشتغال عن قرب، والاحتكاك بالمشاكل المحلية اليومية.
لقد كان برنامجا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا كبيرا، يشكل قطيعة مع ما مضى فيما يتعلق بتعامل الإدارة مع المرتفقين. ذلك أن السلطة عندما تكون منصتة لتوجيهات صاحب الجلالة ولمطالب المواطن، فهذا يشكل قطيعة مع ما مضى، خلافا لما كان عليه الأمر في السابق، حيث كان المواطن يدخل لمقابلة المسؤول وهو عبوس قمطرير، وقد سبق لي أن عاينت مواطنا دخل لمقابلة مسؤول، فكان جواب هذا الأخير: "سير في حالك.. تحرك عليا.."، وكأنه جاء لزيارته في بيته.
المفهوم الجديد للسلطة، الذي أتى به صاحب الجلالة، غيَّر تعامل الإدارات العمومية ككل مع المواطنين..
في نظرك، هل ساعدت هذه المكتسبات (هيئة الإنصاف والمصالحة، هيآت حقوق الإنسان..) في تحقيق مكاسب في ملف الصحراء؟
هيئة الإنصاف والمصالحة سبقها عمل مؤسسي مهم هو تقرير الخمسينية، حيث استوقف المغرب نفسه ليقرأ خمسين سنة من ماضيه، وهي وقفة للتأمل والنقد الذاتي.
لقد كان تقرير الخمسينية لحظة مفصلية في المغرب الجديد، وبني عليه ما أشرت إليه، كما مكن المواطن المغربي من مراجعة نفسه وتفكيره حول الإدارة، فأصبح يفهم أن الإدارة أنشئت من أجل خدمته، وهذا ما يعد ثورة، علما أن المواطن قبل ذلك لم يكن لديه هذا الشعور.
هذا التقرير أكد أن المغرب لديه من الشجاعة الكافية لقراءة الماضي، وعلى ضوء قراءته لمدة 50 سنة، تم إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة بعد ذلك، ثم بعدها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 كخطوة جديدة لم يفهمها الكثيرون في البداية بمن فيهم بعض المسؤولين، لكن لما بدأت تنتشر رويدا رويدا وأصبحت نتائجها مرئية للعيان ومشاريعها تعم جميع المناطق، وأصبحت الجمعيات تتكتل للاشتغال تحت ظلها وكسب الأموال، إلى جانب النساء اللواتي أصبحن منتجات ويمتلكن الثقة في ذواتهن.
حدث تغيير كبير في العقليات، وفي التعامل مع تاريخ المملكة المغربية، وفعلا كان ذلك عنوان كبير لمغرب جديد.
هناك اليوم تخوف من التراجع عن هذه المكتسبات، هل هو في نظرك تخوف مشروع؟
هذه نظرة سوداوية. أنا متفائل في تعاملي مع الأمور، فدائما هناك أمل. أما فيما يتعلق بالحديث عن وجود تراجع في بعض الأوساط، فهو يحمل نظرة تشاؤمية، علما أن المغرب يسير بخطى حثيثة الى الأمام. لم أستقبل أجنبيا منذ عشر سنوات إلا ويبدي استغرابه للتطور الذي وصل إليه المغرب، ويقول لي هذا التطور لا تعكسه صحافتكم، ولا يعكسه سياسيوكم لدى المجتمع الدولي. طنجة وأصيلة والمضيق والفنيدق تغيرت خلال العشر سنوات الأخيرة، بنياتها التحتية تغيرت. الدار البيضاء اليوم، هل هي الدار البيضاء بالأمس؟ أبدا. العيون. السمارة. الداخلة. خريبكة. جميع المدن تغيرت. لقد تغير المغرب تغيرا كبيرا فيما يتعلق بالبنيات التحتية، والعقلية كذلك بدأت تتغير بسرعة، سواء في البوادي أو الجبال أو الحواضر. أعتقد أن السياسي يبيع الأمل في الحياة، والثقة في النفس وفي الوطن، وهذا في نظري يشكل محركا قويا لدفع الإنسان الى الأمام.