البدالي: حديث بمناسبة إحياء الجبهة الاجتماعية لذكرى 20 يونيو 1981

البدالي: حديث بمناسبة إحياء الجبهة الاجتماعية لذكرى 20 يونيو 1981 صافي الدين البدالي
في 20 يونيو 2023 تستعد الجبهة الاجتماعية المغربية لتنظيم وقفات احتجاجية في جميع المدن المغربية إحياء لذكرى انتفاضة 20 يونيو سنة 1981، وهي الانتفاضة التي كانت مصاحبة للإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، احتجاجا على قرار الحكومة القاضي بزيادة في أسعار المواد الأساسية، القرار الذي بثته وكالة المغرب العربي للأنباء في 28 ماي 1981، والذي أشارت فيه إلى" زيادة جديدة في الأسعار بشكل أكبر من السابق: الدقيق 40%، السكر 50%، الزيت 28%، الحليب 14%، الزبدة 76%.وإذا ما أضفنا هاته النسب إلى زيادات 1979 و1980،فيصل المعدل إلى: السكر 112%، الزيت 107%،الحليب 200 %، الزبدة 246%، الدقيق 185%." إنه قرار كان بمثابة ضربة قوية بالنسبة للقدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات، اتخذته حكومة المعطي بوعبيد التي كان فيها وزير الداخلية هو إدريس البصري.
لقد كان للقرار الحكومي وقع على المشهد السياسي وإعلان المعارضة عن رفضها لهذا القرار.
لقد كان هذا القرار هو مقدمة الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يوم 20 يونيو 1981الذي تحول إلى انتفاضة شعبية التي لا يجب أن يطغى عليها عامل النسيان أوالتناسي؛ لأنها أصبحت جزءا من ذاكرة الشعب المغربي وشكلت يوما مشهودا من أيام الجمر والرصاص والذي كان يوما أسودا على الجماهير الشعبية المغربية بالدار البيضاء، وغيرها من المدن المغربية. إنه يفرض علينا أن ننعته باليوم الأسود، لأنه كان يوما دمويا ويوم اعتقالات عمياء وعشوائية. لقد عاشت عدة مدن أحداث مأساوية في هذا اليوم، لكنها كانت قد بلغت ذروتها في الدار البيضاء.
ففي صباح يوم 20 يونيو 1981 من القرن الماضي بينما تم تنفيذ عملية الإضراب بكل نجاح في مجموع القطاعات الاجتماعية والصناعية والتجارية؛ تحركت آليات المخزن لتكسير الإضراب مما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع رجال الأمن والقوات المساعدة..
فتدخلت الآلة العسكرية بإطلاق النار على المحتجين والمتظاهرين تنفيذا لتهديدات الحكومة التي توعدت من قبل كل من استجاب لدعوة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث وصفتها بالدعوة "المارقة"، لكنه كان تهديدا فاشلا.
إذ تبين منذ الساعات الأولى ليوم 20 يونيو بأن الإضراب كان ناجحا حيث توقفت حركة السير بالمدينة العمالية، وتوقفت آليات المصانع والشركات الكبرى وتوقفت عن العمل القطاعات الاجتماعية (الصحة والتعليم وقطاع النقل)، في العاصمة الاقتصادية وفي عدة مدن أخرى. فكان رد النظام المخزني هو القمع الشديد والعشوائي وقتل الأبرياء بالرصاص مما خلف مئات الضحايا وآلاف من المعتقلين.
ولبست مدينة الدار البيضاء ثوب الحداد وتم منعها من نصب خيام العزاء، فعم الأسى ساكنة الدار البيضاء، وهي تنتظر جثث أبنائها الذين أصابهم رصاص قوات القمع أوعودة المخطوفين والمعتقلين إن كانوا على قيد الحياة. كل درب من دروب المدينة المكلومة أصبح محاصرا من طرف القوات الأمنية والجيش، إنها حالة الطوارئ التي فرضها النظام على هذه المدينة المقاومة والمناضلة، مدينة العمال والعلماء والفقهاء والباحثين والفنانين. إنها عاشت حالة الطوارئ بعد يوم الانتفاضة الدامية، عاشت إجراءات حظر للتجول وانتشار الدبابات والعساكر المدججين بالرشاشات وسط الشوارع وحول الأحياء، وكأنها ساحة حرب حقيقية.
بعد الانتفاضة أصبح عدد من الأسر في الدار البيضاء وفي مدن أخرى يترقبون متوجسين عما ستأتي به الأخبار عن مصير المخطوفين والمعتقلين والمصابين، وما ستقوله الأخبار الرسمية على القناة التلفزيونية الوحيدة المملوكة للدولة. أو ماذا سيكون الرد الحكومي على الأحداث؟
ولكن للأسف كان الرد مستفزا لمشاعر المغاربة و للرأي العام الوطني والدولي، وهو رد وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري حينما وصف القتلى في هذه الانتفاضة بـ " شهداء الكوميرا "بنكهة تهكمية و بكلمات مليئة بالتشفي وكأنه انتصر انتصارا عظيما ، بينما هو عمل الجبناء ليس إلا، وكان إلى جانب الجرحى والقتلى في يوم الأحداث، الآلاف من المواطنين بالدار البيضاء الذين سيق بهم إلى مراكز حجز ، منها ما هو كان معلوما مثل ثكنة للدرك الملكي في "عين حرودة" قرب الدار البيضاء، ومنها ما كان مجهولا جعل الأهالي تبحث عن أبنائها في ثنايا الاعتقالات السرية وفي ثكنات الجيش بضواحي الدار البيضاء.
و لم تنته المآسي عند هذا الحد، بل تحركت آلية التوقيفات عن العمل في حق كل من نفذ الإضراب من عمال و رجال التعليم و رجال الصحة، على الصعيد الوطني. ثم انطلقت المحاكمات على مستوى مجموعة من المحاكم بالبلاد في كل من الدار البيضاء ومراكش والرباط وغيرها، وتوزيع قرون من سنوات الاعتقال.
إن ما عاشه المغاربة في 20 يونيو1981 في ظل حكومة المعطي بوعبيد وادريس البصري وزير الداخلية الذي كان المنفذ للقرارات القمعية لحكومة المعطي وما بعدها، يعيشونه اليوم مع حكومة أخنوش و وزيره في الداخلية لفتيت الذي ينفذ قرار الحكومة القمعية والتعسفية على المتظاهرين واعتقال ومتابعة الصحافيين ،أي سنوات أخرى من سنوات الجمر و الرصاص بصيغة قمع الحريات والتصدي للمسيرات والوقفات التي يدعو إليها اليسار أو الجبهة الاجتماعية أو الجمعية المغربية لحماية المال العام أو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أوالطلبة الجامعيين . لأنها حكومة جاءت لتكون متسلطة على الشعب في حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليست حكومة تطلع على حاجياته، وبذلك تكون سليلة الحكومات السابقة التي استعملت الرصاص لقتل المتظاهرين في 1965 و1981، ولأنها ليست حكومة عدل ولا حكومة مساواة ولا حكومة كفاءات بقدر ما هي حكومة قمع الحريات.