dimanche 4 mai 2025
سياسة

مريم معاد: بلاغ حركة التوحيد والإصلاح تجاوز الحدود الأخلاقية في النقد وتطاول على الملك

مريم معاد: بلاغ حركة التوحيد والإصلاح تجاوز الحدود الأخلاقية في النقد وتطاول على الملك الفاعلة الحقوقية والسياسية مريم معاد وعبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح

اعتبرت مريم معاد، فاعلة حقوقية وسياسية، أن بلاغ حركة التوحيد والإصلاح تجاوز الحدود الأخلاقية في النقد، وتطاول على الملك، واستنكر موقف الملك، وطالب بإلغاء قرار الملك، وهذا كله فوق أنه تطاول واستهتار، فإنه يعكس حجم النفاق والازدواجية. مشيرة إلى أن خرجة الوزير محمد أمكراز، لم تكن محسوبة، على الإطلاق، ويفترض في بلد ديمقراطي يحترم المؤسسات، أن تقع إقالة هذا الشخص من عضوية الحكومة...

 

+ تدعي حركة التوحيد والإصلاح أنه لا علاقة لها بالعمل السياسي، وهي مجرد ذراع دعوي، لكن واقع الحال ينفي هذا الإدعاء بدليل بلاغها السياسي الأخير في موضوع قرار الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مغربية الصحراء. كيف تقرأين حربائية هذه الحركة؟

- الواقع العملي يجعل من حركة التوحيد والإصلاح، كما باقي الحركات المنتمية إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، جماعة دينية سياسية اجتماعية، وهذا هو الأساس الذي انبنت عليه جماعة الإخوان المسلمين حين تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي...

وفي هذا الصدد، يمكن العودة إلى اللبنات الأساسية التي بنى عليها حسن البنّا تشكل جماعة الإخوان المسلمين، على أساس أنها جماعة دينية، والأهداف التي تحددها لعملها الديني، يجعل منها بالفعل تنظيما دينيا، لكن بوسائل عمل سياسية واجتماعية، فهي تتوجه إلى العمل التربوي والاجتماعي من خلال السعي إلى ما تسميه «إيقاظ الروح المسلمة»، لدى الإنسان. وبالتالي فهي تنظيم فوق الأوطان، إذ الولاء ليس للوطن، وإنما للخلافة الإسلامية، و«طاعة أولي الأمر»، بالنسبة لديهم، ليست لرئيس الدولة، وإنما للمرشد...

هكذا تطور فكر الإخوان المسلمين إلى خلق أدوات سياسية، وهي التي توكل إليها مهام العمل السياسي المباشر، في ما تحديد التوجه السياسي يكون من مهام الجماعة. بمعنى أن العملية السياسية أصبحت موزعة بين الحزب هو صاحب التكتيك، وبين الجماعة هي صاحبة الاستراتيجية. وهذا البنيان هو الذي مضت عليه كل التنظيمات السياسية، المنتمية إلى الإخوان المسلمين، في كل بقاع العالم. فالجماعة هي التي تحكم، في ما الحزب (العدالة والتنمية في تركيا، الحرية والعدالة في مصر، النهضة في تونس، العدالة والتنمية في المغرب...) هو الذي ينفذ، ويدبّر العمل السياسي المباشر...

وهذا بالضبط ما فعلته حركة التوحيد والإصلاح، فهي صاحبة التوجيه، وتحديد الاستراتيجي، هي من تضع وتبلور الموقف السياسي من كل قضية قضية. بالتالي، أنا لا أرى في الأمر حربائية، وإنما من صميم دورها أن تتصدى للقضايا السياسية، وضمنها مسألة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء... صحيح أن الحركة تتمظهر بأنها تنظيم دعوي تربوي، لكنها، باعتبارها هي «المرشد»، نجدها هي من يحدد الخطوط الأساسية لكل المواقف السياسية...

 

+ هناك من يعتبر أن حركة التوحيد والإصلاح هي الحزب السياسي الحقيقي الذي يملي أجندته على قيادة العدالة والتنمية (خرجة الوزير أمكراز) وهي الحزب الأغلبي الذي يحكم بدل البيجيدي، والدليل البلاغ الأخير؟

- أتفق معك مع اختلاف بسيط فقط في المصطلحات، أي أن حركة التوحيد والإصلاح ليست هي الحزب السياسي، بل هي فوق الحزب السياسي، وهنا أود أن أنبّه إلى خطأ شائع يستعمل كثيرا في الإعلام وعند عدد من المحللين السياسيين، وهو عندما يكون الحديث عن حركة التوحيد والإصلاح يصفونها بأنها «الذراع الدعوي» لحزب العدالة والتنمية... المعادلة ليست بهذا الشكل، وإنما مقلوبة تماما. فحزب العدالة والتنمية هو «الذراع السياسي» لحركة التوحيد والإصلاح، وهي التي تلعب دور «المرشد»، وتوجّه الحزب، وتضع المواقف الاستراتيجية، في حين يتولى الحزب التنفيذ، من خلال العمل المباشر، الذي له حدود لا تتعدى «التكتيك»، أي تنفيذ التوجهات العامة التي تضعها الحركة.

أما خرجة الوزير محمد أمكراز، التي لم تكن محسوبة، على الإطلاق، ويفترض في بلد ديمقراطي يحترم المؤسسات، أن تقع إقالة هذا الشخص من عضوية الحكومة... فأمكراز لم يتصرف من زاوية قيادية في حركة التوحيد والإصلاح، فهو غير قيادي في الجماعة، هو مازال صغيرا، ليس بمعنى السن، وإنما من زاوية الموقع في هيكلة الحركة الإرشادية، بل هو صغير حتى على الوزارة، ومرة أخرى ليست من زاوية السن، وإنما من زاوية المسؤولية السياسية، التي يمارسها بكثير من «القصور»، إذ أن استوزاره كان مجرد تكتيك من دائرة سعد الدين العثماني لاستقطاب وجر شبيبة الحزب إلى صف تيار الوزراء، أو على الأقل تحييدها في الصراع، الذي كان قد اندلع مع الأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران... وبالتالي، فالحربائية هي التي يمارسها الحزب، فأمكراز، باعتباره «صغيرا» على المسؤولية الحكومية، مارس موقفه ككاتب عام لشبيبة الحزب، مفروض فيه أن ينصاع للحركة، وفي حال وقع نوع من التعارض بين الحركة والحزب، فالغلبة أو الرجحان تكون للحركة، لأنها هي المرشد، هي الحاكمة... كان يمكن لأمكراز أن يخلد إلى الصمت، لكنه قفز على الحزب، وتمثّل توجيه الحركة، وهذه الحربائية تضعه في حالة شرود داخل الحكومة، أو بالأحرى تجعل استمراره في الحكومة فضيحة بكل المقاييس، تعكس حقيقة وجوهر الحزب والحركة معا، باعتبارهما يتاجران بالدين وبقضاياه، إذ قضية فلسطين بالنسبة إليهم هي قضية دينية، والمفروض، سياسيا وأخلاقيا، إما أن يكون هذا الشخص منسجما مع نفسه ويقدم استقالته، وإما، في حالة غلبت عليه انتهازيته وتشبته بالمنصب، أن يقيله رئيس الحكومة...

 

+ بلاغ الحركة تضمن إملاءات سياسية على الملك، اعتبرها مراقبون وقاحة، حيث تحولت إلى مؤسسة حزبية تتدخل في الشأن الوطني، ألا يشكل ذلك تدخلا سافرا في مهام ومسؤولية المؤسسات الوطنية؟

- لا أعتقد ذلك، بلاغ حركة التوحيد والإصلاح ليس تدخلا في مهام ومسؤولية المؤسسات الوطنية، من زاوية وضعيتي الحقوقية، أعتبر أن كل تنظيم، جمعوي، سياسي أو حقوقي أو مدني، من حقه أن يدلي بدلوه في هذه القضية، التي تهم كافة المغاربة، وهؤلاء مغاربة، من صميم حقوقهم المواطنية والإنسانية، والدستورية، أن يعبروا عن موقفهم مما يجري في بلادنا...

هذا من جهة، لكن من جهة ثانية، وفي تقييمي السياسي لبلاغ حركة التوحيد والإصلاح، فإنني أتفق معكم في أنه تضمّن إملاءات سياسية على الملك، بل أكثر من ذلك، أعتبر أن البلاغ تجاوز الحدود الأخلاقية في النقد، وتطاول على الملك، واستنكر موقف الملك، وطالب بإلغاء قرار الملك، وهذا كله فوق أنه تطاول واستهتار، فإنه يعكس حجم النفاق والازدواجية، وكذا ما وصفتموه بالحربائية.

 بلاغ يكشف أن هؤلاء، ككل الإخوان المسلمين في كل مكان، لا دين لهم ولا ملة، وليس لهم أي ولاء للوطن، ولا تهمهم المصالح العليا للوطن، إذ الأولوية، بالنسبة إليهم، هي ولاؤهم لتركيا، التي بايعوا رئيسها أردوغان على رأس «دولة الخلافة الإسلامية»، الوهم الذي يعشش في أدمغتهم، منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين مع حسن البنا...

إن قمة نفاق حركة التوحيد والإصلاح، التي ركبت على قضية التطبيع لتتطاول على المؤسسات الدستورية للبلاد وعلى مصالحها العليا، تظهر في موقفهم كلهم، دون استثناء، من أردوغان، فهم يسبّحون باسمه، ويتهافتون عليه، ويدعون له بالنصر والتأييد، في حين أن أردوغان هو أكثر رئيس دولة موصوفة بالإسلامية يطبّع مع إسرائيل، في كل المجالات، العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية... هل تعرف ما هو حجم رقم المعاملات التجارية بين تركيا وإسرائيل؟ سنويا نجده في حدود 6 ملايير دولار، وهو مبلغ ضخم يكشف حجم التطبيع، ومستوى العلاقات التركية والإسرائيلية، في عهد أردوغان...

ورغم ذلك، فإن قادة الحركة التوحيد والإصلاح جميعهم يتمسحون بأهداب أردوغان، ويرسلون أبناءهم ليتعلموا في جامعات ومعاهد تركيا، دون أن يكون لديهم أدنى مشكل أن يمروا بجانب السفارة الإسرائيلية في أنقرة، أو قنصليتها العامة في إسطنبول، وأعلام الكيان الصهيوني ترفرف خفاقة فرحانة بأردوغان وبأبناء وقادة الإخوان...

بالمقابل، عندما يتصدى الملك محمد السادس، وهو رئيس الدولة، لتحقيق أكبر اختراق في مسيرة تثبيت وحدة المغرب الترابية، وتحقيق الانتصار التاريخي بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على كافة أقاليمه الصحراوية، وعندما يسمح بالعودة إلى فتح مكاتب الاتصال (وليس سفارة) مع إسرائيل، في إطار الحرص الملكي على رعاية مصالح كل المواطنات والمواطنين المغاربة في بلدهم المطبوع بالتسامح وبالتعايش لكافة فئاتهم، بمن فيهم الجالية اليهودية من أصل مغربي، سواء الذين يعيشون في المغرب، أو الذين يوجدون في إسرائيل، ورغم التأكيد الملكي على المواقف الثابتة للمغرب من القضية الفلسطينية، وعلى أن التدابير المتخذة لا تمس، بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط، وأيضا رغم الحرص الملكي على الاتصال برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية للتأكيد على أن موقف الملك الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير...، رغم كل ذلك، يأتي هؤلاء المنافقون، المتاجرون بالدين وبقضية فلسطين، ليتطاولوا، بوقاحة، على رئيس دولتهم، فين حين يتملّقون لرئيس دولة أجنبية، فهذا يطرح أكثر من سؤال حول مغربيتهم، وحول وطنيتهم، وحول حقيقة وجودهم في المغرب، وحول الأهداف الحقيقية لحركتهم الإخوانية؟!

 

+ عملا بمقولة «للصبر حدود»، كيف تفسرين سكوت الدولة تجاه خرجات حركة التوحيد والإصلاح وتبادل الأدوار مع البيجيدي، ألم يحن الوقت لقطع دابرها وحلها نهائيا، بعد أن سقط قناع نفاقها (لخوانجي) واستغلالها للدين والسياسة ضد مؤسسات الدولة؟

- اسمح لي إذا كنت أختلف معكم في هذه النقطة، أتفق معكم كل الاتفاق في التقييم السياسي لخرجات حركة التوحيد والإصلاح، وفي تبادل الأدوار مع ذراعها السياسي البيجيدي، وفي سقوط قناع واستغلالها للدين والسياسة ضد مؤسسات الدولة.. لكن، وهنا أتكلم من الزاويتين، كحقوقية وسياسية، لا أعتقد أن المنع هو الحل، المنع حل غير ديمقراطي، هو الحل السهل، الذي ستكون له كُلفة كبيرة جدا، فهؤلاء تغلغلوا جيدا في مؤسسات الدولة، كما تغلغلوا في مؤسسات المجتمع، وفي مختلف المنابر الإعلامية والقنوات الأجنبية.. وهذا فقط نموذج من نماذج اختراقات أخرى، أود أن أستعملها لبلورة موقفي من الموضوع...

نعرف جميعا أن هؤلاء يستعملون التقية، ونعرف أكثر أنهم لن يتخلوا على تعاليم مؤسسي ومنظري جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم يضعون نصب أعينهم تحقيق وصية «إعادة الخلافة في رأس مناهج الإخوان المسلمين»...لكن الأنظمة الديمقراطية لا تتعامل بالنوايا، والإطارات الحقوقية تطالب بحرية الضمير، وليس المصادرة، ففي اعتقادي أن المنع أو الحل أو المصادرة سيزيد في تقويتهم، ويعطيهم مبررا إضافيا لاستعمال المظلومية، التي يستقطبون بها الناس ويؤثرون بها عليهم باستغلال المشاعر الدينية، المتأصلة في أغلبية الفئات الشعبية...

ولأطرح الحل أعود إلى السؤال: لماذا حققوا هذا الاختراق الإعلامي، الذي قد يجهل كثيرون من الإعلاميين أنفسهم حجمه؟ أين الإعلاميون الدمقراطيون والمتنورون؟ أين الأحزاب الوطنية الديمقراطية؟ أين التنظيمات المدنية التنويرية والحداثية؟ في الإجابة على هذه الأسئلة نجد الحل، الحل الديمقراطي، الحقيقي، الذي يمضي رأسا إلى أعماق الشعب المغربي، الذي انسحبنا من ساحاته وتركناه لقمة سائغة لقوى التخلف والظلام...

الحل هو الحضور، هو نضال يومي تنويري بلا هوادة، كل من موقعه، الإعلامي والحقوقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والمدني والثقافي والتربوي وحتى الديني... فالمسألة، في اعتقادي، تتعلق بمعركة إصلاحية ديمقراطية مجتمعية شاملة، وفي مقدمتها الساحة الاجتماعية، التي تُركت فارغة وعرف الإسلاميون، بمختلف تلاوينهم، كيف يملؤونها.