
في ظل انسداد الحوار واحتدام الصراع الدائر في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بين الطلبة، الذين يقاطعون الدراسة والامتحانات منذ أكثر من 4 أشهر، وبين وزارتي التعليم العالي والصحة، يخيم شبح "السنة البيضاء" على الجميع.
ويرفع طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة عددا من المطالب، تتمثل أساسا في مطالبة الحكومة بالتراجع عن تقليص سنوات الدراسة من 7 إلى 6 سنوات، وإعادة هيكلة السلك الثالث، وإعادة النظر في مسألة زيادة أعداد الطلبة الوافدين في ظل عدم توفر البنية التحتية الكفيلة بضمان التكوين في ظروف جيدة، ورفع تعويضات المتدربين في السنوات الثالثة والرابعة والخامسة. فيما تصر وزارتا التعليم العالي والصحة على أن تقليص سنوات التكوين «قرار سيادي لا رِجعة فيه». بل ذهبت أبعد من ذلك، في لعبة الذراع الحديدية، حين قررتا منح نقطة «صفر» للطلبة الذين يقاطعون الدراسة والامتحانات، وإرغام الطلبة المتدربين على الالتحاق بأماكن التدريب، وفي حال التغيب لثلاث مرات يعتبر الطالب متغيبا، فضلا عن إحالة عدد من الطلبة المتزعمين لمقاطعة الدراسة والامتحانات على المجالس التأديبية، وإصدار قرارات توقيف في حق بعضهم، وحل المكاتب الطلابية ومنع أنشطتها.
لقد اتضح جليا، من خلال المسار الذي اتخذه الاحتجاج بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، أن طرفي الصراع يرفضان، كل من زاويته، تقديم أي «تنازل» للطرف الآخر. ذلك أن الطلبة يصرون على خيار المقاطعة لتحقيق المطالب التي يرون أنها مشروعة «حماية التكوين في مجال الطب وهيكلة السلك الثالث حسب قولهم»، بينما تؤكد الوزارتان أنهما استجابتا لـ 95% من مطالب الطلبة المحتجين، وأن 10% من الطلبة فقط هم الذين «يدبرون» الاحتجاج على «قرار سيادي» يعتبر التراجع عنه خطا أحمر، نظرا لارتباطه بورش الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الذي يهم جميع المغاربة..
استمرار هذا الصراع الذي ينذر بسنة بيضاء، دفع النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى الدخول على خط الأزمة بين الطلبة والحكومة، حيث حذرت من استمرار انحصار الحوار وتأثيره السلبي على التكوين العمومي في مجال الطب والصيدلة وطب الأسنان، كما دعت الطلبة إلى «الاحتكام إلى العقل وعدم الانجرار وراء الجانب العددي على حساب الجانب الكيفي، لأن انتهاء السنة الدراسية إلى البياض ليس في مصلحة أحد».
وإذا كان لا يلوح أي أفق للحل في ظل تشبث كل طرف بمواقفه، لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة:
- هل يطالب الطلبة المحتجون بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بإلغاء قرار تقليص سنوات الداسة من 7 إلى 6 سنوات فقط، أم يطالبون بإصلاح شامل يضم مجموعة من المحاور تتصل بالبرنامج البيداغوجي العام في التكوين الطبي من السنة الأولى إلى السنة السابعة؟
- هل قرار تقليص سنوات الدراسة «قرار سيادي حقا غير خاضع للمقايضة أو التفاوض أو التراجع»، أم أنه شأن أكاديمي بيداغوجي يندرج ضمن مجموعة من الاختصاصات الموكولة إلى الجامعات والكليات - في شحص الأساتذة- (مسار التدريس، كيفية إلقاء الدروس، سيرورة التداريب الاستشفائية، طريقة التقييم، أو الخوض في نقاش المعادلة أو دفتر المعايير البيداغوجية الوطنية…)، ولا يحق لأي جهة أخرى اتخاذ قرارات بشأنها؟
- هل أقدمت الحكومة على قرار تخفيض سنوات الدراسة بوصفه حلا «سياديا» لخفض الخصاص الكبير الذي تعاني منه المستشفيات العمومية على مستوى الأطباء «يقدر الخصاص بـ 33 ألف طبيب»، أم أنه يتضمن، في عمقه وجوهره، انتهاكا حقوقيا صارخا يضرب حقا من حقوق الإنسان التي نص عليها الدستور «الحق في التعليم»؟
ـ لماذا تحدث الوزير ميراوي عن القرار السيادي، وكأن جهة أجنبية هي من تحاول التدخل في القرار الحكومي المغربي، أو كأن الطلبة المغاربة ليسوا مغاربة، ولا تربطهم بالمغرب أي علاقة مواطنة، وكلهم يسعون إلى الرحيل عن وطنهم للالتحاق بكندا أو فرنسا أو الخليج؟
- هل يعني قرار تقليص سنوات الدراسة بالفعل حرمان الطلبة المغاربة من استكمال دراساتهم في الخارج، وحقهم في ولوج الكليات والمعاهد العليا للطب في الخارج، أم يعني تسريع وتيرة التخرج و«إنتاج الأطباء المحليين»؟ وهل هذه هي الطريقة الصحيحة لوضع حد لهجرة الأطباء، وتشجيع الخريجين على البقاء لخدمة المواطنين المغاربة «يهاجر 800 طبيب سنويا»؟
- هل الإبقاء على «الأطباء المغاربة» خارج أهلية ممارسة الطب في الخارج هو الحل للمعضلة الصحية بالمغرب؟ وماذا عن نظام الحوافز وتأمين البنيات الطبية والتشجيع على التكوين والمهارات وتمتين الخبرات؟
«الوطن الآن» تنقل مواقف الأطراف المعنية بالملف من عمادة وطلبة وأساتذة وآباء.
«الوطن الآن» تنقل مواقف الأطراف المعنية بالملف من عمادة وطلبة وأساتذة وآباء.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"