jeudi 8 mai 2025
كتاب الرأي

محمد حفيظ: مراجعة ساخرة لمدونة الأسرة

محمد حفيظ: مراجعة ساخرة لمدونة الأسرة محمد حفيظ، أستاذ جامعي
بمجرد‭ ‬أن‭ ‬صدر‭ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬الذي‭ ‬أخبر‭ ‬بأن‭ ‬الملك‭ ‬وجه‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬تتعلق‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة،‭ ‬انطلق‭ ‬النقاش‭ ‬بشأن‭ ‬التعديلات‭ ‬المنتظرة‭ ‬التي‭ ‬ستطرأ‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬الحالي‭ ‬للمدونة‭.‬
مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كانت‭ ‬الفضاء‭ ‬الرحب‭ ‬لهذا‭ ‬النقاش‭ ‬المتفاعل‭ ‬مع‭ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭. ‬فقد‭ ‬انتشرت‭ ‬التدوينات‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم،‭ ‬وتوالت‭ ‬تعليقات‭ ‬الأفراد‭ ‬بشكل‭ ‬غطى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬تفاعل‭ ‬لبعض‭ ‬التنظيمات‭ ‬والهيئات‭ ‬التي‭ ‬نسخت‭ ‬بلاغات‭ ‬أو‭ ‬عممت‭ ‬تصريحات‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬النقاش‭ ‬الجاري‭ ‬اليوم‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬النقاش‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬جرى‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬خلال‭ ‬لحظة‭ ‬تعديل‭ ‬مدونة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬التنظيمات‭ ‬والهيئات‭ ‬حينذاك‭ ‬أكثر‭ ‬حضورا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الأفراد‭.‬
وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬فلن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬لنعرف‭ ‬طبيعة‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتخذها‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭. ‬فمنذ‭ ‬رفع‭ ‬مطلب‭ ‬مراجعة‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة‭ ‬لتجاوز‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬أبانت‭ ‬عنها‭ ‬تجربة‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وبعد‭ ‬تفاعل‭ ‬الملك‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬للسنة‭ ‬الماضية،‭ ‬حين‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬المدونة،‭ ‬تابعنا‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات،‭ ‬وكشفت‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬بشأن‭ ‬مدونة‭ ‬قانونية‭ ‬ظلت‭ ‬تشكل‭ ‬إحدى‭ ‬أبرز‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬السجال‭ ‬السياسي‭ ‬والإيديولوجي‭ ‬والحقوقي‭ ‬والقانوني‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وتمثل‭ ‬عنصر‭ ‬استقطاب‭ ‬حاد‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭.‬
وقد‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬ظلت‭ ‬رهينة‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عبرت‭ ‬عنها‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬يخوض‭ ‬تجربة‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬«مدونة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية»‭ ‬إلى‭ ‬«مدونة‭ ‬الأسرة»‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يسجن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬المدونة‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬الملك،‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬لسنة‭ ‬2022،‭ ‬«إنها‭ ‬أصبحت‭ ‬غير‭ ‬كافية»‭.‬
أعود‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬«الاجتماعي»‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬بإيقاع‭ ‬سريع‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬عمل‭ ‬الجهات‭ ‬المكلفة‭ ‬بالإشراف‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬التعديلات‭. ‬إن‭ ‬أهم‭ ‬ملاحظة‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيلها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سرعة‭ ‬التفاعل‭ ‬وكثافته‭ ‬والبعد‭ ‬الفردي‭ ‬الذي‭ ‬يغلب‭ ‬عليه،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬اعتمد‭ ‬أسلوبين‭ ‬في‭ ‬التعبير،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المضمون:‭ ‬أسلوب‭ ‬ساخر‭ ‬وأسلوب‭ ‬جاد‭.‬
وقد‭ ‬لاحظت،‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الساعة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تتبع‭ ‬عام‭ ‬لما‭ ‬يُتداول‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة،‭ ‬أن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مراجعة‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة‭ ‬هو‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحجم‭ ‬والتداول‭ ‬بين‭ ‬الجمهور،‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الأسلوب‭ ‬الساخر،‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬أنه‭ ‬الأكثر‭ ‬حجما‭ ‬وانتشارا،‭ ‬إذ‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬أغلب‭ ‬التعليقات‭ ‬والتفاعلات،‭ ‬باستعمال‭ ‬مختلف‭ ‬عناصر‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬نكت‭ ‬وصور‭ ‬ورسومات‭ ‬وفيديوهات‭...‬
ويبدو،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أغلب‭ ‬مضامين‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬الساخر،‭ ‬أنه‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬بأنها‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الرجل،‭ ‬ويختزل‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬معركة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭.‬
وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬يتداولون‭ ‬هذه‭ ‬النكت‭ ‬والصور‭ ‬والرسوم،‭ ‬يتعلق‭ ‬بسخرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الترفيه‭ ‬فقط،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬نزعة‭ ‬ضد‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬تحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الرجل،‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬النهوض‭ ‬بالأسرة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يُتداول،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬صحة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭ ‬والتي‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬«الأخبار‭ ‬الزائفة»،‭ ‬يعكس‭ ‬رأيا‭ ‬يوجد‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتجد‭ ‬فيه‭ ‬الجهات‭ ‬المناهضة‭ ‬للتقدم‭ ‬دعما‭ ‬لمواقفها‭.‬
وفي‭ ‬رأيي،‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فالمجتمعات‭ ‬تحبل‭ ‬دائما‭ ‬بآراء‭ ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬وحول‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭. ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تدبير‭ ‬اختلاف‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭.‬
وهنا،‭ ‬يبرز‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬بمختلف‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬لتؤكد‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬بالفعل‭ ‬مقتنعة‭ ‬بتحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬وبتمتيعهما‭ ‬معا‭ ‬بجميع‭ ‬الحقوق،‭ ‬وبالنهوض‭ ‬بالأسرة‭ ‬وحماية‭ ‬جميع‭ ‬مكوناتها‭. ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬هنا‭ ‬لأن‭ ‬تعمد‭ ‬إلى‭ ‬التذرع‭ ‬بهذا‭ ‬السبب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬لتبرير‭ ‬عدم‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الغايات‭.‬
لقد‭ ‬كان‭ ‬نص‭ ‬مدونة‭ ‬2004‭ ‬متقدما‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬مدونة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭. ‬وإذا‭ ‬تبين‭ ‬اليوم،‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬أن‭ ‬نص‭ ‬المدونة‭ ‬الحالية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صالحا‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يلائم‭ ‬واقعنا‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لنص‭ ‬2024‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬تقدما‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬2004‭.‬
إن‭ ‬المنتظر‭ ‬منا،‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬21،‭ ‬أن‭ ‬نمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬الفكرية‭ ‬ونتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬التاريخية،‭ ‬لنُقْدِم‭ ‬على‭ ‬مراجعة‭ ‬جوهرية‭ ‬وعميقة،‭ ‬حتى‭ ‬نُقَدِّم‭ ‬نصا‭ ‬متقدما‭ ‬يحقق‭ ‬العدل‭ ‬ويضمن‭ ‬العدالة‭ ‬ويحترم‭ ‬الكرامة‭.‬
ولذلك،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مقبولا‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بمراجعات‭ ‬شكلية‭ ‬أو‭ ‬سطحية‭ ‬لا‭ ‬تتصدى‭ ‬للأسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬استدعت‭ ‬المراجعة‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭. ‬وإلا‭ ‬فسيكون‭ ‬ما‭ ‬سنُقْدِم‭ ‬عليه‭ ‬مجرد‭ ‬«مراجعة‭ ‬ساخرة"‭ ‬لمدونة‭ ‬الأسرة‭.‬