بمجرد أن صدر بلاغ الديوان الملكي الذي أخبر بأن الملك وجه رسالة إلى رئيس الحكومة تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، انطلق النقاش بشأن التعديلات المنتظرة التي ستطرأ على النص الحالي للمدونة.
مواقع التواصل الاجتماعي كانت الفضاء الرحب لهذا النقاش المتفاعل مع بلاغ الديوان الملكي. فقد انتشرت التدوينات كالنار في الهشيم، وتوالت تعليقات الأفراد بشكل غطى على ما صدر من تفاعل لبعض التنظيمات والهيئات التي نسخت بلاغات أو عممت تصريحات في الموضوع. ولعل هذا ما يميز النقاش الجاري اليوم بالمقارنة مع النقاش الذي كان جرى قبل أكثر من عشرين عاما خلال لحظة تعديل مدونة الأحوال الشخصية، حيث كانت التنظيمات والهيئات حينذاك أكثر حضورا بالمقارنة مع الأفراد.
وفي الواقع، فلن نحتاج إلى جهد كبير لنعرف طبيعة المواقف التي يمكن أن تتخذها التنظيمات السياسية أو المدنية في هذا الموضوع. فمنذ رفع مطلب مراجعة مدونة الأسرة لتجاوز السلبيات التي أبانت عنها تجربة عقدين من الزمن، وبعد تفاعل الملك مع هذا المطلب في خطاب العرش للسنة الماضية، حين دعا إلى مراجعة المدونة، تابعنا ردود فعل صدرت عن بعض هذه التنظيمات، وكشفت عن مواقفها بشأن مدونة قانونية ظلت تشكل إحدى أبرز القضايا التي ترفع من حدة السجال السياسي والإيديولوجي والحقوقي والقانوني بالمغرب، وتمثل عنصر استقطاب حاد داخل المجتمع المغربي.
وقد كشفت بعض هذه المواقف أن بعض الجهات ظلت رهينة المواقف التي كانت عبرت عنها قبل أكثر من عشرين سنة، حين كان المغرب يخوض تجربة الانتقال من «مدونة الأحوال الشخصية» إلى «مدونة الأسرة». بل إن هناك من لا يزال يسجن نفسه في زمن ما قبل هذه المدونة التي قال عنها الملك، في خطاب العرش لسنة 2022، «إنها أصبحت غير كافية».
أعود إلى هذا التفاعل «الاجتماعي» الذي انطلق بإيقاع سريع حتى قبل أن ينطلق عمل الجهات المكلفة بالإشراف على إعداد التعديلات. إن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها، بالإضافة إلى سرعة التفاعل وكثافته والبعد الفردي الذي يغلب عليه، تتمثل في أنه اعتمد أسلوبين في التعبير، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون: أسلوب ساخر وأسلوب جاد.
وقد لاحظت، إلى حدود الساعة، ومن خلال تتبع عام لما يُتداول خلال هذه الأيام القليلة، أن الأسلوب الجاد في التفاعل مع الإعلان عن مراجعة مدونة الأسرة هو الأقل من حيث الحجم والتداول بين الجمهور، بالمقارنة مع الأسلوب الساخر، الذي يظهر أنه الأكثر حجما وانتشارا، إذ هو الذي يسود أغلب التعليقات والتفاعلات، باستعمال مختلف عناصر السخرية من نكت وصور ورسومات وفيديوهات...
ويبدو، من خلال أغلب مضامين هذا الأسلوب الساخر، أنه ضد هذه المراجعة التي يقدمها بأنها ستكون على حساب الرجل، ويختزل المشهد في صورة معركة بين الرجل والمرأة.
وإذا كان الأمر، لدى البعض ممن يتداولون هذه النكت والصور والرسوم، يتعلق بسخرية من أجل الترفيه فقط، وليس بالضرورة تعبيرا عن نزعة ضد حقوق المرأة، أو ضد تحقيق المساواة بينها وبين الرجل، أو ضد النهوض بالأسرة، فإن ما يُتداول، وبغض النظر عن عدم صحة الكثير من المعلومات التي ينشرها والتي تندرج ضمن «الأخبار الزائفة»، يعكس رأيا يوجد داخل المجتمع، وتجد فيه الجهات المناهضة للتقدم دعما لمواقفها.
وفي رأيي، لا تكمن المشكلة في وجود مثل هذا الرأي في المجتمع، فالمجتمعات تحبل دائما بآراء مختلفة حول هذه القضية أو تلك، وحول هذا القانون أو ذاك. لكن المشكلة تكمن في كيفية تدبير اختلاف هذه الآراء.
وهنا، يبرز دور الدولة بمختلف مؤسساتها، لتؤكد هل هي بالفعل مقتنعة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وبتمتيعهما معا بجميع الحقوق، وبالنهوض بالأسرة وحماية جميع مكوناتها. فلا مجال هنا لأن تعمد إلى التذرع بهذا السبب أو ذاك لتبرير عدم تحقيق هذه الغايات.
لقد كان نص مدونة 2004 متقدما على نص مدونة الأحوال الشخصية. وإذا تبين اليوم، بعد مرور 20 سنة، أن نص المدونة الحالية لم يعد صالحا ولم يعد يلائم واقعنا ويحتاج إلى إعادة النظر، فلا يمكن لنص 2024 إلا أن يكون أكثر تقدما من نص 2004.
إن المنتظر منا، ونحن نعيش العقد الثالث من القرن 21، أن نمتلك الجرأة الفكرية ونتحمل المسؤولية التاريخية، لنُقْدِم على مراجعة جوهرية وعميقة، حتى نُقَدِّم نصا متقدما يحقق العدل ويضمن العدالة ويحترم الكرامة.
ولذلك، لا يكون مقبولا أن نقوم بمراجعات شكلية أو سطحية لا تتصدى للأسباب الحقيقية التي استدعت المراجعة وإعادة النظر. وإلا فسيكون ما سنُقْدِم عليه مجرد «مراجعة ساخرة" لمدونة الأسرة.
مواقع التواصل الاجتماعي كانت الفضاء الرحب لهذا النقاش المتفاعل مع بلاغ الديوان الملكي. فقد انتشرت التدوينات كالنار في الهشيم، وتوالت تعليقات الأفراد بشكل غطى على ما صدر من تفاعل لبعض التنظيمات والهيئات التي نسخت بلاغات أو عممت تصريحات في الموضوع. ولعل هذا ما يميز النقاش الجاري اليوم بالمقارنة مع النقاش الذي كان جرى قبل أكثر من عشرين عاما خلال لحظة تعديل مدونة الأحوال الشخصية، حيث كانت التنظيمات والهيئات حينذاك أكثر حضورا بالمقارنة مع الأفراد.
وفي الواقع، فلن نحتاج إلى جهد كبير لنعرف طبيعة المواقف التي يمكن أن تتخذها التنظيمات السياسية أو المدنية في هذا الموضوع. فمنذ رفع مطلب مراجعة مدونة الأسرة لتجاوز السلبيات التي أبانت عنها تجربة عقدين من الزمن، وبعد تفاعل الملك مع هذا المطلب في خطاب العرش للسنة الماضية، حين دعا إلى مراجعة المدونة، تابعنا ردود فعل صدرت عن بعض هذه التنظيمات، وكشفت عن مواقفها بشأن مدونة قانونية ظلت تشكل إحدى أبرز القضايا التي ترفع من حدة السجال السياسي والإيديولوجي والحقوقي والقانوني بالمغرب، وتمثل عنصر استقطاب حاد داخل المجتمع المغربي.
وقد كشفت بعض هذه المواقف أن بعض الجهات ظلت رهينة المواقف التي كانت عبرت عنها قبل أكثر من عشرين سنة، حين كان المغرب يخوض تجربة الانتقال من «مدونة الأحوال الشخصية» إلى «مدونة الأسرة». بل إن هناك من لا يزال يسجن نفسه في زمن ما قبل هذه المدونة التي قال عنها الملك، في خطاب العرش لسنة 2022، «إنها أصبحت غير كافية».
أعود إلى هذا التفاعل «الاجتماعي» الذي انطلق بإيقاع سريع حتى قبل أن ينطلق عمل الجهات المكلفة بالإشراف على إعداد التعديلات. إن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها، بالإضافة إلى سرعة التفاعل وكثافته والبعد الفردي الذي يغلب عليه، تتمثل في أنه اعتمد أسلوبين في التعبير، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون: أسلوب ساخر وأسلوب جاد.
وقد لاحظت، إلى حدود الساعة، ومن خلال تتبع عام لما يُتداول خلال هذه الأيام القليلة، أن الأسلوب الجاد في التفاعل مع الإعلان عن مراجعة مدونة الأسرة هو الأقل من حيث الحجم والتداول بين الجمهور، بالمقارنة مع الأسلوب الساخر، الذي يظهر أنه الأكثر حجما وانتشارا، إذ هو الذي يسود أغلب التعليقات والتفاعلات، باستعمال مختلف عناصر السخرية من نكت وصور ورسومات وفيديوهات...
ويبدو، من خلال أغلب مضامين هذا الأسلوب الساخر، أنه ضد هذه المراجعة التي يقدمها بأنها ستكون على حساب الرجل، ويختزل المشهد في صورة معركة بين الرجل والمرأة.
وإذا كان الأمر، لدى البعض ممن يتداولون هذه النكت والصور والرسوم، يتعلق بسخرية من أجل الترفيه فقط، وليس بالضرورة تعبيرا عن نزعة ضد حقوق المرأة، أو ضد تحقيق المساواة بينها وبين الرجل، أو ضد النهوض بالأسرة، فإن ما يُتداول، وبغض النظر عن عدم صحة الكثير من المعلومات التي ينشرها والتي تندرج ضمن «الأخبار الزائفة»، يعكس رأيا يوجد داخل المجتمع، وتجد فيه الجهات المناهضة للتقدم دعما لمواقفها.
وفي رأيي، لا تكمن المشكلة في وجود مثل هذا الرأي في المجتمع، فالمجتمعات تحبل دائما بآراء مختلفة حول هذه القضية أو تلك، وحول هذا القانون أو ذاك. لكن المشكلة تكمن في كيفية تدبير اختلاف هذه الآراء.
وهنا، يبرز دور الدولة بمختلف مؤسساتها، لتؤكد هل هي بالفعل مقتنعة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وبتمتيعهما معا بجميع الحقوق، وبالنهوض بالأسرة وحماية جميع مكوناتها. فلا مجال هنا لأن تعمد إلى التذرع بهذا السبب أو ذاك لتبرير عدم تحقيق هذه الغايات.
لقد كان نص مدونة 2004 متقدما على نص مدونة الأحوال الشخصية. وإذا تبين اليوم، بعد مرور 20 سنة، أن نص المدونة الحالية لم يعد صالحا ولم يعد يلائم واقعنا ويحتاج إلى إعادة النظر، فلا يمكن لنص 2024 إلا أن يكون أكثر تقدما من نص 2004.
إن المنتظر منا، ونحن نعيش العقد الثالث من القرن 21، أن نمتلك الجرأة الفكرية ونتحمل المسؤولية التاريخية، لنُقْدِم على مراجعة جوهرية وعميقة، حتى نُقَدِّم نصا متقدما يحقق العدل ويضمن العدالة ويحترم الكرامة.
ولذلك، لا يكون مقبولا أن نقوم بمراجعات شكلية أو سطحية لا تتصدى للأسباب الحقيقية التي استدعت المراجعة وإعادة النظر. وإلا فسيكون ما سنُقْدِم عليه مجرد «مراجعة ساخرة" لمدونة الأسرة.