samedi 7 juin 2025
اقتصاد

رشيد لبكر: تحدي الغلاء الذي نواجهه مرتبط بمشكل الحكامة والطبقة المتوسطة تنتظر رحمة الله

رشيد لبكر: تحدي الغلاء الذي نواجهه مرتبط بمشكل الحكامة والطبقة المتوسطة تنتظر رحمة الله رشيد لبكر
لا‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬موضوعية‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬موجة‭ ‬الغلاء‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬بلادنا،‭ ‬وهي‭ ‬علي‭ ‬العموم‭ ‬مرتبطة‭ ‬بسببين،‭ ‬اولهما‭ ‬قلة‭ ‬التساقطات‭ ‬وبالتالي‭ ‬اختلال‭ ‬الدورة‭ ‬الإنتاجية‮ ‬‭ ‬الفلاحية‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدته‭ ‬الانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬لظاهرة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬التي‮ ‬‭ ‬أثرت،‭ ‬وستؤثر‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬الزراعية‭ ‬ببلادنا،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬قسط‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬علي‭ ‬التساقطات‭ ‬المطرية‭.‬‮ ‬

ثم‭ ‬هناك‭ ‬العامل‭ ‬الثاني،‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬المناخ‭ ‬الدولي‭ ‬ذي‭ ‬الارتباط‮ ‬‭ ‬بالحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأكرانية‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬الخطيرة‭ ‬الوخيمة‭ ‬علي‭ ‬استقرار‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬الاصعدة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬منها‭ ‬المالية‭ ‬والتجارية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬أثر‭ ‬سلبا‭ ‬علي‭ ‬الإنتاج‭ ‬الطاقي‭ ‬العالمي،‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬فاتورة‭ ‬المحروقات،‭ ‬ومن‭ ‬تم،‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬علي‭ ‬سائر‭ ‬المجالات‭ ‬الحيوية‭ ‬ومنها‭ ‬انخفاض‭ ‬قيمة‭ ‬العملات،‭ ‬وانعكاس‭ ‬ذلك‭ ‬علي‭ ‬ميزان‭ ‬الأداءات‭ ‬وبالتالي‭ ‬حدوث‭ ‬أزمة‭ ‬سيولة‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الضعيفة،‭ ‬غير‭ ‬القادرة‭ ‬علي‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ننتائجه،‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وانخفاض‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية،‭ ‬ومنه‭ ‬هذا‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬فالسلع‭ ‬موجودة‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬يستطيع‭ ‬القرب‭ ‬منها‭..‬

وإن‭ ‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬الاسباب‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬تبعا‭ ‬لمستوي‭ ‬مناعتها‭ ‬و‭ ‬تحكمها‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬ومناعة‭ ‬اجراءاتها‭ ‬الاحترازية‭ ‬المفروض‭ ‬أنها‭ ‬توقعية‮ ‬‭ ‬وذات‭ ‬استعداد‭ ‬دائم‭ ‬لمواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الازمات،‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بالقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭ ‬لما‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬اثر‭ ‬علي‭ ‬التوازنات‭ ‬والسلم‭ ‬الاجتماعيين‭.‬‮ ‬

لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬مع‭ ‬الاسف،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬سنها‭ ‬استعدادا‭ ‬لمواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬برامج‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبرى‭ ‬وبميزانيات‭ ‬ضخمة،‭ ‬ومنها‭ ‬برنامج‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر،‭ ‬لم‭ ‬تعط‭ ‬أكلها‭. ‬بل‭ ‬أكاد‭ ‬اقول،‭ ‬إنها‭ ‬استنزفت‭ ‬ميزانيات‭ ‬الدولة دون‭ ‬مردودية‭ ‬حقيقية،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬الازمة،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬وأد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفلاحات‭ ‬المعاشية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬تامين‭ ‬الاسواق‭ ‬بالمواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الرئيسية‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬توازن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬بين‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭. ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬منتظرا،‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج،‭ ‬إلى‭ ‬استفادة‮ ‬‭ ‬بعض‭ ‬المنتفعين،‭ ‬الذين‭ ‬احتكروا‭ ‬بعض‭ ‬الزراعات‮ ‬‭ ‬الموجهة‭ ‬للتصدير‮ ‬‭ ‬أساسا،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ضمان‭ ‬تموين‭ ‬السوق‭ ‬الداخلية‭ ‬بالاحتياجات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬كانت‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬احتياطاتنا‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬وإدخلنا‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الإرهاق‭ ‬المائي،‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يتخذ‭ ‬طابعا‭ ‬هيكليا‭ ‬وحقيقيا‭ ‬وينذر‭ ‬بالأسوأ‭.‬

‮ ‬في‭ ‬اعتقادي،‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬مداخل‭ ‬تدارك‭ ‬الوضع،‭ ‬اجراء‭ ‬تقييم‭ ‬واقعي‭ ‬وحقيقي‭ ‬ومحايد‭ ‬لنتائج‭ ‬هذا‭ ‬المخطط‭ ‬مع‭ ‬الاهداف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مرسومة‭ ‬لها،‭ ‬لحصر‭ ‬الاعطاب‭ ‬وتحديد‭ ‬المسؤوليات‭ ‬وحقن‭ ‬النزيف‭...‬‮ ‬

وأعتقد‭ ‬ان‭ ‬مشكلتنا‭ ‬الأساسية‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الحكامة‭ ‬كعنوان‭ ‬عام،‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيمه‭ ‬الي‭ ‬عناوين‭ ‬فرعية‭ ‬كبيرة،‭ ‬أهمها‭ ‬غياب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬المساءلة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬وربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة،‭ ‬سيادة‭ ‬الريع‭ ‬والاحتكار‭ ‬والمضاربة‭ ‬والنهب‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والجشع‭ ‬والأنانية‭ ‬المتحررة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬خلفية‭ ‬وطنية‭.. ‬ففي‭ ‬غياب‭ ‬وسائل‭ ‬الردع‭ ‬الكافية،‭ ‬اشتعل‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬ومراكمة‭ ‬الأموال‭ ‬،‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق،‭ ‬القانونية‭ ‬منها‭ ‬وغير‭ ‬القانونية،‭ ‬وكنتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الفساد،‭ ‬انقسام‭ ‬المجتمع‭ ‬الى‭ ‬فئتين،‭ ‬فئة‭ ‬الاقلية‭ ‬صاحبة‭ ‬الريع‭ ‬و‭ ‬الامتياز‭ ‬وقد‭ ‬تراكمت‭ ‬لديها‭ ‬الثروة‭ ‬ولا‭ ‬تحس‭ ‬بأثر‭ ‬الازمة‭ ‬،‭ ‬اما‭ ‬الفئة‭ ‬الثانية‭ ‬وتمثل‭ ‬السواد‭ ‬الأعظم‮ ‬‭ ‬فأوضاعها‭ ‬اليوم‭ ‬تتقلب‭ ‬بين‭ ‬سيء‭ ‬إلى‭ ‬أسوأ،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬السلام‭ ‬علي‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭.. ‬مع‭ ‬الآسف،‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬لا‭ ‬يبشر‭ ‬بالخير‭ ‬َ،‭ ‬ويتطلب‭ ‬من‭ ‬الحكَومة‭ ‬التحرك‭ ‬بأقسى‭ ‬سرعة‭ ‬وعبر‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬فهي‭ ‬المسؤولة‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬تقديم‮ ‬‭ ‬الحلول‭.‬‮ ‬

إن‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬نواجهه‭ ‬اليوم‭ ‬مرتبط‭ ‬بمشكل‭ ‬حكامة‭ ‬بالأساس،‭ ‬في‭ ‬شتي‭ ‬القطاعات‭ ‬وعلي‭ ‬مختلف‭ ‬الصعدة،‭ ‬فعندما‭ ‬يصبح‭ ‬القانون‭ ‬نافذا‭ ‬علي‭ ‬الجميع،‭ ‬آنذاك‭ ‬تكسب‭ ‬بلادنا‭ ‬مناعتها‭ ‬ويسترجع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬قوته‭ ‬ويعود‭ ‬للمؤسسات‭ ‬هيبتها،‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الازمة‭.‬
 
رشيد لبكر/ أستاذ جامعي