لا ننكر أن هناك أسباب موضوعية تقف وراء موجة الغلاء التي تعرفها بلادنا، وهي علي العموم مرتبطة بسببين، اولهما قلة التساقطات وبالتالي اختلال الدورة الإنتاجية الفلاحية زاد من حدته الانعكاسات السلبية لظاهرة التغيرات المناخية، التي أثرت، وستؤثر مع الأسف، على المنظومة الزراعية ببلادنا، التي تعتمد في قسط كبير منها علي التساقطات المطرية.
ثم هناك العامل الثاني، المتمثل في المناخ الدولي ذي الارتباط بالحرب الروسية الأكرانية وانعكاساتها الخطيرة الوخيمة علي استقرار العلاقات الدولية عبر مختلف الاصعدة، ولاسيما منها المالية والتجارية والاقتصادية، الشيء الذي أثر سلبا علي الإنتاج الطاقي العالمي، وساهم في ارتفاع فاتورة المحروقات، ومن تم، تأثير ذلك علي سائر المجالات الحيوية ومنها انخفاض قيمة العملات، وانعكاس ذلك علي ميزان الأداءات وبالتالي حدوث أزمة سيولة داخل الدول ذات الاقتصادات الضعيفة، غير القادرة علي مواجهة الأزمات، كان من ننتائجه، ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، ومنه هذا التضخم الذي لم يعرف له مثيل منذ سنوات، فالسلع موجودة ولكن لا احد يستطيع القرب منها..
وإن أثر هذه الاسباب تختلف من دولة إلى أخرى، تبعا لمستوي مناعتها و تحكمها في السوق، ومناعة اجراءاتها الاحترازية المفروض أنها توقعية وذات استعداد دائم لمواجهة مثل هذه الازمات، دون المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين لما لذلك من اثر علي التوازنات والسلم الاجتماعيين.
لقد أثبتت الأزمة الحالية مع الاسف، أن كل الإجراءات التي سبق للمغرب أن سنها استعدادا لمواجهة مثل هذه التوقعات، في شكل برامج استراتيجية كبرى وبميزانيات ضخمة، ومنها برنامج المغرب الأخضر، لم تعط أكلها. بل أكاد اقول، إنها استنزفت ميزانيات الدولة دون مردودية حقيقية، الشيء الذي ساهم في تعميق الازمة، وأدى إلى وأد العديد من الفلاحات المعاشية التي كانت تلعب دورا كبيرا في تامين الاسواق بالمواد الاستهلاكية الرئيسية وتسهم في ضمان توازن الاستهلاك بين العرض والطلب. بل وعلى العكس مما كان منتظرا، فقد أدى هذا البرنامج، إلى استفادة بعض المنتفعين، الذين احتكروا بعض الزراعات الموجهة للتصدير أساسا، ولكن على حساب ضمان تموين السوق الداخلية بالاحتياجات الاستهلاكية الرئيسية، فضلا عن كونها كانت السبب في ضرب احتياطاتنا المائية في مقتل، وإدخلنا إلى زمن الإرهاق المائي، الذي صار يتخذ طابعا هيكليا وحقيقيا وينذر بالأسوأ.
في اعتقادي، ان من مداخل تدارك الوضع، اجراء تقييم واقعي وحقيقي ومحايد لنتائج هذا المخطط مع الاهداف التي كانت مرسومة لها، لحصر الاعطاب وتحديد المسؤوليات وحقن النزيف...
وأعتقد ان مشكلتنا الأساسية متمثلة في غياب الحكامة كعنوان عام، يمكن تقسيمه الي عناوين فرعية كبيرة، أهمها غياب كل من ثقافة المساءلة والمحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة، سيادة الريع والاحتكار والمضاربة والنهب والمحسوبية والجشع والأنانية المتحررة من أي خلفية وطنية.. ففي غياب وسائل الردع الكافية، اشتعل السباق نحو الربح السريع ومراكمة الأموال ، بشتى الطرق، القانونية منها وغير القانونية، وكنتيجة لهذا الفساد، انقسام المجتمع الى فئتين، فئة الاقلية صاحبة الريع و الامتياز وقد تراكمت لديها الثروة ولا تحس بأثر الازمة ، اما الفئة الثانية وتمثل السواد الأعظم فأوضاعها اليوم تتقلب بين سيء إلى أسوأ، في حين يجب أن نقرأ السلام علي الطبقة المتوسطة التي تنتظر رحمة الله.. مع الآسف، هذا الوضع، لا يبشر بالخير َ، ويتطلب من الحكَومة التحرك بأقسى سرعة وعبر كل الاتجاهات، فهي المسؤولة اليوم عن تقديم الحلول.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم مرتبط بمشكل حكامة بالأساس، في شتي القطاعات وعلي مختلف الصعدة، فعندما يصبح القانون نافذا علي الجميع، آنذاك تكسب بلادنا مناعتها ويسترجع الاقتصاد قوته ويعود للمؤسسات هيبتها، كي تكون الدولة قادرة على مواجهة الازمة.
رشيد لبكر/ أستاذ جامعي