قبل عقد من الزمن ونيف، أي قبل حلول فصل ربيع الديمقراطية المصدرة تساءلت في إحدى المقالات في ماذا يفكر مستشارو الملك؛ وكان التفكير آنذاك مرتكزا على المفهوم الجديد للسلطة وعلى محاولة بلورة سياسات عامة تروم القطع مع ماضي القمع والإستبداد، وتوج النقاش العمومي بخلاصات تقرير الخمسينية حول التنمية وتقرير هيأة الإنصاف والمصالحة، ذيلت بتوصيات تؤكد نوايا الدولة في شخص رئيسها الذي تمثل لقب ملك الفقراء متحديا إكراهات مواجهة التنازع والتنافس حول الشرعية الإجتماعية المستمدة من الشرعية الدينية وايضا الشرعية الوطنية التاريخية، في أفق بلورة ملامح الشرعية الديمقراطية المؤسسة على مخيال توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة والتي افضت إلى ضرورة إقرار ضمانات عدم تكرار مآسي الماضي وأسباب الإحتقان المجتمعي والإنفلات الأمني، واليوم وبعد إغلاق قوس العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد، يطرح السؤال من جديد: هل يكفي الإعتراف بفشل المشاريع التنموية وإقرار البديل المسمى "نموذجا تنمويا جديدا " أم لابد من إرساء قواعد سليمة وحقيقية من أجل بلورة مفهوم جديد للعدالات وتجويد مقوماتها، وبإستكمال مسلسل العدالة الإنتقالية التي تم إجهاضه وإرساء العدالة القضائية بالأمن القانوني وإستقلال السلطة القضائية والفاعلين فيها، وخصوصا ترسيخ العدالة الإجتماعية، والتي تقتضي دسترة ضماناتها بتعديل المقتضيات المتعلقة بها بجعل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والصحية والبيئية، حقوقا مضمونة على أساس إلتزام الدولة ومسؤوليتها بتحقيق نتيجة وليس فقط بذل عناية كما جاء تقهقرا في الفصل 31، وما يترتب عن كل ذلك من أوقاع قانونية حقوقية وإنسانية تضمن الحق في الأمن ضد الخوف والحق في الأمن ضد الحاجة؟ وبنفس القدر نسائل الحكومة كامتداد وظيفي للرأس الأولى للسلطة التنفيذية حول مسؤوليتها السياسية في بناء الدولة الإجتماعية، فرغم خطابها اللبرالي المصطنع فهي تميل إلى تفقير الطبقات المتوسطة بسياساتها المالية الفقيرة إلى البعد الإجتماعي، وإجراءاتها الإذعانية ( غير التشاركية ) والتي تفقدها كل شرعية ومشروعية بتخليها عن قاعدتها الإجتماعية، مما يستدعي تحرك مستشاري عاهل البلاد لأن نسبة الخصاص الإجتماعي في تفاقم وكل توسع في البؤر السوداء على مستوى خريطة الفقر من شأنه شيوع البقع القاتمة على مستوى مواقع الضمير، ليتم الإعلان رسميا عن إفلاس مشروع القطيعة مع ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بعودة مؤشرات السكتة القلبية ورجالاتها الصقور ومقاومي التغيير والبناء الديمقراطي.
أكيد أن المستشارين يحبون وطنهم، لذلك فليؤكدوا للملك والمواطنين حقيقة ما يجري، فليس هكذا يتم معالجة وتجاوز مخلفات أزمة كوفيد المسترسلة والمتداعية، ففي وعائكم وقمطركم عديد من المقاربات والبدائل إن كنتم تستشرفون زماننا الإجتماعي المشترك.
مصطفى المنوزي /رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن