يرى أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس أن مستقبل الفعل النقابي في المغرب مرشح لمزيد من التراجع مقابل تنامي دور الفعل الاحتجاجي سواء منه المرتبط بالحركات الاحتجاجية العفوية أو احتجاجات التنسيقيات، مشيرا تراجع الأحزاب والنقابات مرتبط بعدم قدرة هذه الهيئات على استيعاب وظائفها الجديدة في إطار التحولات التي يعرفها المجتمع، فهي لازالت تشتغل بأدوات تقليدية وغير قادرة على الانفتاح على طاقات شابة أو نسائية، وغير قادرة على توسيع مساحات التحرك والتعبير كما يتطرق الى دور الفاعل السياسي، علما أنه كلما ضيق هذا الأخير الخناق على النقابات وعلى الأحزاب السياسية، وخاصة التي تكون في صدارة التفاوض وفي صدارة النقاش إلا وانعكس على ذلك على سقف المطالب الاحتجاجية للتنسيقيات باعتبارها تشكل حسب قواعدها الوسيلة الأنجع للضغط على الحكومة وتحقيق المطالب المرفوعة.
كيف تنظر الى تنامي دور التنسيقيات في تأطير الإضرابات والاحتجاجات في قطاع التعليم مقابل تراجع دور الأحزاب والنقابات؟
هذه الظاهرة بدأت تتسع منذ عقدين من الزمن، ونلمسها بشكل جلي فيما يتعلق بتراجع نسبة التصويت في الانتخابات بشكل عام سواء تعلق الأمر بالانتخابات المهنية أو الجماعية أو الجهوية أو التشريعية، وهي مرتبطة بتراجع نسبة الانخراط في الأحزاب السياسية والنقابات، وهذا يحيلنا الى فكرة جوهرية مرتبطة بالثقة في وظائف الأحزاب والنقابات، وأيضا مرتبطة بالثقة في وظائف المؤسسات التمثيلية، وهي أحد المحاور التي اشتغل عليها النموذج التنموي الجديد، كما نبهت إليها بعض الخطب الملكية. طبعا تراجع الأحزاب والنقابات مرتبط بعدم قدرة هذه الهيئات على استيعاب وظائفها الجديدة في إطار التحولات التي يعرفها المجتمع، فهناك اليوم تحولات ديمغرافية، وتحولات مرتبطة بالتواصل، وتحولات مرتبطة بالتعبئة، ويلاحظ أن النقابات والأحزاب السياسية لازالت تشتغل بأدوات تقليدية وغير قادرة على الانفتاح على طاقات شابة أو نسائية، وغير قادرة على توسيع مساحات التحرك والتعبير داخل الهيئات النقابية والحزبية. أكيد أن عمل النقابات ونمط اشتغال الأحزاب يبدو لدى الجيل الحالي عملا روتينيا وتقليديا، وعملا مكلفا في الناحية الزمنية في إطار الترافع والتفاوض، وفي إطار الحصول على المكتسبات. أكيد أن النقابات والأحزاب السياسية اليوم ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات وينبغي أن تشتغل بنفس منهجية التنسيقيات في إطار العمل النقابي والعمل الحزبي المؤطر بالدستور والقوانين. هذا الوضع الذي تعيشه الأحزاب والنقابات مرتبط أيضا بظاهرة أحكام القيمة والأحكام المسبقة، فالجيل الحالي هو الجيل الذي ينتعش عبر الاشتغال في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو جيل له حكم مسبق على قيادات النقابات والأحزاب السياسية، ويعتبر أن هذه القيادات غير قادرة على تحقيق مطالبه، وغير قادرة على الوفاء بوعودها.
هذا الوضع مرتبط أيضا بالفاعل السياسي، فاليوم الفاعل السياسي سواء في إطار الحوار الاجتماعي الذي أطلقته حكومة عزيز أخنوش أو في المفاوضة الجماعية المتعلقة بمدونة الشغل أو الحوار القطاعي الذي أطلقته بعض الوزارات ومازال متعثرا في قطاعات وزارية أخرى، لذلك فالفاعل السياسي ينبغي أن يقدم تنازلات وأن يقدم أوراق للقيادات النقابية وللهيئات الحزبية لكي تفاوض من خلالها مه قواعدها، وبالتالي فكلما ضيق الفاعل السياسي الخناق على النقابات وعلى الأحزاب السياسية خاصة التي تكون في صدارة التفاوض وفي صدارة النقاش إلا وانعكس على ذلك على المطالب الاحتجاجية وعلى التنسيقيات، بمعنى أنه كلما أضعف الفاعل السياسي النقابات إلا وانعكس ذلك على التنسيقيات وعلى الفعل الاحتجاجي باعتبارها تشكل حسب القواعد وحسب الأجراء وحسب العمال وحسب الأساتذة تشكل لهم وسيلة ناجعة.
هل هذا التراجع يعد ظاهرة عالمية اذا استحضرنا احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا مثلا واحتجاجات اليونان واسبانيا؟
تراجع الأحزاب السياسية والنقابات المهنية يعتبر ظاهرة عالمية نلمسها في أوروبا وفي الدول الديمقراطية وهي موجودة في المغرب، ولكن ليس بنفس الدرجة وبنفس الحدة بالنسبة للحالة المغربية، لذلك فالأسباب التي أدت الى التراجع المهول للنقابات المهنية هي أسباب متعددة، منها ماهو مرتبط بضعف الديمقراطية الداخلية، وضعف التواصل، ومنها ماهو مرتبط بتراجع فكرة الانخراط والتبطيق، منها ماهو مرتبط بضعف التكوين والتأطير، وهشاشة دوران النخب على مستوى المكاتب القيادية للنقابات، ومنها ماهو مرتبط بالامتداد المجالي للنقابات المهنية، وأكيد أنه لا يمكن أن نقارن الوضع الموجود في بعض الدول، مثلا الحركات الاحتجاجية في فرنسا أو في اسبانيا مع الحركات الاحتجاجية في دول أخرى، فالحركات الاحتجاجية في أوروبا وفي بعض بلدان أمريكا اللاتينية تكون بالموازاة مع عمل النقابات، وبالتالي فنفس المطالب ونفس الشعارات ونفس السقف الذي ترفعه التنسيقيات هو نفسه الذي ترفعه النقابات، بمعنى أن قدرة النقابات في الحالة الفرنسية أو في الحالة الأوروبية تستوعب المطالب وتتفاعل وتتكيف مع كل التعبيرات المرتبطة بالمطالب العمالية والنقابية، مما يعني أن النقابات في فرنسا ليس لها سقف وليس لها حدود فيما يتعلق بالمطالب، وهي أكثر قدرة وأكثر شفافية وأكثر حرية فيما يتعلق بقائمة المطالب..
في ضوء هذا الواقع الذي تفضلت بشرحه ماهي توقعاتك بشأن مستقبل الفعل النقابي في المغرب؟
مستقبل الفعل النقابي في المغرب مرشح لمزيد من التراجع مقابل تنامي دور الفعل الاحتجاجي سواء منه المرتبط بالحركات الاحتجاجية العفوية أو احتجاجات التنسيقيات على اعتبار كونها ليست لديها قيادة موحدة، ليس لها تبعية لأي حزب سياسي، وبالتالي لا تجد حرجا في المطالب التي تقدمها للحكومة، وهي لا تراعي الإكراهات المرتبطة بالتمويل والاكراهات المرتبطة بتوازن مالية الدولة، والإكراهات المرتبطة ببرمجة النفقات في مشاريع القوانين المالية، وهي أكثر مرونة فيما يتعلق بعقد الاجتماعات وعقد الملف المطلبين بمعنى أن التنسيقيات في جزء من عملها تشتغل في وسائل التواصل الاجتماعي وفي مجموعات " الواتساب " وهي بعيدة عن العمل الروتيني المقيد بقيود وأنصبة قانونية وبموافقة القيادة وبغربلة المطالب، أوانتظار التعبير عن هذه المطالب عبر بلاغات وفق شكل معين ومنهجية دقيقة تراعي التوازنات السياسية وتراعي مجموعة من الحسابات التي تخضع لها النقابات في عملها وفي ترافعها النضالي.