مواكبة وسائل الاعلام الوطنية والدولية للهزة الأرضية العنيفة التي ضربت إقليم الحوز والمناطق المجاورة لها، شكل موضوع برنامج خاص أعدته محطة إذاعة فاس الجهوية، قارب خلاله المشاركون من زوايا مختلفة، التداعيات التي خلفها هذا الزلزال، وما واكبها من تعبئة شاملة على مختلف المستويات، بهدف التخفيف من آثارها المدمرة، والحد من انعكاساتها على وضعية هذه المناطق الجبلية وساكنتها المنكوبة.
وتميز هذا البرنامج الذي يندرج ضمن سلسلة اللقاءات التي أعدتها إذاعة فاس الجهوية منذ وقوع الزلزال في الثامن من شتنبر الجاري مرورا بمواكبة تداعياته آثاره وانعكاساته، بالوقوف على المجهودات المبذولة على المستوى الرسمي والشعبي، في مجال الإغاثة والإنقاذ، والتعريف مختلف التدابير والإجراءات المتخذة من أجل دعم المنكوبين والمساعدات المقدمة وإعادة توطين السكان وإعادة اعمار المنطقة، وذلك باحترام لخصوصياتها وتراثها.
كما تناول هذا البرامج الذي أداره باقتدار الصحفي والمنشط بإذاعة فاس عبد الحق بلوط، وشارك فيه كلا من الكاتب والإعلامي جمال المحافظ ، ومحمد الزوهري الإعلامي وأستاذ علوم الاعلام والتواصل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس ومحمد عبد الوهاب العلالي منسق ماستر التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباطـ، ما خلفه هذه الزلزال العنيف من تضامن واسع لمختلف شرائح المجتمع التي سارعت إلى تقديم كل أشكال المساعدات والدعم والمساندة، لسكان المناطق المتضررة.
وهكذا سجل جمال المحافظ، في بداية مداخلته، أنه من السابق لأوانه القيام بتقييم شامل، لمدى مواكبة وسائل الاعلام الوطنية والدولية لزلزال الحوز، في ظل غياب دراسات علمية وأبحاث محكمة، لكن مع ذلك يمكن طرح بعض الملاحظات والمؤشرات الأولية، من أجل الإجابة عن سؤال كيف عالج الاعلام بمختلف وسائله الزلزال وتداعياته على كافة المستويات.
واستنادا على المعطيات المتوفرة حاليا، عبر جمال المحافظ رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال عن اعتقاده بأن وسائل الاعلام والتواصل، تمكنت الى حد كبير من جعل الرأي العام على اطلاع بمجريات هذا الزلزال المدمر، منذ لحظة وقوعه ومواكبة تداعياته، وتسليط الضوء على مختلف التدابير المتخذة على المستوى الرسمي والمدني، وذلك بهدف المساهمة في التخفيف من آثار هذه الهزة العنيفة وانعكاساتها.
وفي هذا السياق لاحظ جمال المحافظ، أن معالجة وسائل الاعلام والتواصل، شهدت تطورا في تعاطيها مع المراحل التي مرت منها هذه الكارثة الطبيعية، مشيرا الى أن وسائل الاعلام انتقلت في المرحلة الأولى الى تقديم معلومات أولية حولها منها درجة قوة الزلزال التي بلغت 7 درجات على ريشتر وظروف وقوعها، حيث كانت المادة الخبرية، حاضرة بقوة، ثم انتقلت بعد ذلك وسائل الإعلام إلى استخدام أجناس صحفية أخرى في مقدمتها الروبورتاج والحوار والتحقيق والاستقصاء.
وأضاف أن هذا المجهود الإعلامي الملحوظ، جعل الرأي العام يكون صورة عامة عن هول الزلزال وتداعياته وما خلفه من دمار كبير بالمناطق التي وقع فيها. وأكد أن وسائل الاعلام الوطنية والدولية قامت بأدوار إيجابية وهامة في تعاطيها مع الزلزال وتداعياته مشيرا بالخصوص إلى المجهود الذي بذله الصحفيون والطواقم التقنية بالإعلام العمومي السمعي البصري ووكالة المغرب العربي للأنباء، الذين تعاملوا باحترافية مع مختلف المراحل التي رافقت الزلزال، وسلطوا الضوء على انعكاساته والتدابير المتخذة للحد من آثاره وانعكاساته.
ومن جهته اعتبر محمد الزوهري أن زلزال الحوز أفرز عن عدة دروس منها أنه كشف عن التدبير المحكم لمختلف السلطات العسكرية والمدنية لهذه الأزمة وهو ما مكن من إرجاع الحالة إلى طبيعتها الاعتيادية، وأكسب البلاد تجربة أخرى في مجال مواجهة الكوارث الطبيعية.
وفي مقابل ما خلفه الزلزال من آثار على السكان وتدمير للبنيات التحتية الهشة أصلا، أبان عن مزيد من التلاحم ما بين المغاربة داخل والخارج، تجلى في موجة عارمة من التضامن والتآزر، والتأكيد مرة أخرى استقلالية القرار الوطني والسيادي، وكشف عن فعالية ملحوظة في التواصل خاصة على مستوى وزارة الداخلية وقطاع الاتصال اللذان تعامل بشكل إيجابي في توفير المعلومات والمعطيات لوسائل الاعلام.
وفي معرض جوابه عن سؤال كيف تعامل الاعلام مع الزلزال وتداعياته، أوضح الزهري أن الكوارث الطبيعية ومنها الزلازل، تكون دوما مادة صحفية ثرية تستغلها المنابر الإعلامية للرفع من نسب متابعاتها، لكنها في المقابل تفتح هذه الأزمات المجال " للمتطفلين" على الصحافة والإعلام، لترويج المعلومات غير الموثوق بها، والأخبار الزائفة.
لكن الزوهري استدرك بالقول، إن المنابر الإعلامية المهنية والجادة، خاصة الاعلام العمومي، نجحت في مواكبتها للزلزال وتداعياته، وأن حجم التغطية الاعلامية المنابر الوطنية والدولية كانت كبيرة جدا في المناطق المتضررة، والمعلومات كانت متوفرة.
ومن جهته أكد عبد الوهاب العلالي، أن التغطية الإعلامية للزلزال وتداعياته، كانت شاملة، من طرف الصحافة المهنية وكذلك من طرف نشطاء التواصل الاجتماعي الذين كان لهم دور مهم مبرزا بأن عددا من المواطنين تحولوا الى صحفيين، خاصة في مجال توجيه نداءات الاستغاثة، وهو ما كان لها صدى بوسائل الاعلام الدولية واستأثرت باهتمامها.
وأضاف أن عدد من وسائل الاعلام اعتمدت في تقاريرها الصحفية، على الصور والمعطيات التي كان يتداولها نشطاء التواصل الاجتماعي مباشرة من عين المكان بالمناطق التي أصابها هذا الزلزال المدمر العنيف، فضلا عن أن نشطاء المجتمع المدني، انتقلوا بوسائلهم الخاصة، الى المناطق المتضررة، وقاموا بعمل جبار في تقديم المساعدات والمساندة للمنكوبين، وتقاسموا صورا حية حول حجم الكارثة، وشكلت بدورها مادة انشغلت بها وسائل الاعلام.
وبخصوص تعاطي وسائل الاعلام الأجنبية مع زلزال الحوز هناك وسائل الاعلام الأجنبية، انتقد أسلوب تناول بعض وسائل الاعلام الدولية التي " كانت تغرد خارج السرب، وتنشر أخبارا ومعطيات زائفة وصورا تكون في غالب الأحيان مغرضة ومؤدلجة، وذلك في محاولة منها تكريس صور نمطية قديمة".
واعتبر الأستاذ عبد العلالي بأن " المغرب وفر لوسائل الاعلام كافة المعلومات والمعطيات مع تداعيات الزلزال، وترك لوسائل الاعلام الحرية التامة في التعامل معها، كما أن التدخل الفعال للسلطات المغربية، حظي بإشادة دولية واسعة.
ومن أجل استخلاص الدروس من هذه الكارثة الطبيعية، طرح المشاركون في هذا البرنامج الخاص، عدة مقترحات منها إحداث هيئة وطنية لإدارة الأزمات الطبيعية، ووضع آلية لليقظة الإعلامية والعمل على اخضاع الصحفيين لتكوين وتداريب خاصة بالتعامل الإعلامي مع الكوارث الطبيعية واحداث تخصصات في اعلام الأزمات مع اعداد دلائل تتضمن المبادئ التي يتعين الالتزام بها في التعاطي الصحفي والإعلامي مع هذه الأزمات، والبحث عن الإمكانيات الكفيلة بالقطع مع الممارسات المخلة بأخلاقيات الصحافة خلال الكوارث الطبيعية.