لكل شعب هوية يفتخر بها ويحافظ عليها، ومن حظ الشعب المغربي أن تكون مظاهر هويته متنوعة ومتعددة بتعدد تكوينه الإثني والديني والجغرافي وتاريخه السياسي والاقتصادي والثقافي.
ومن أكثر المظاهر الهوياتية ترسخا في كيان المغاربة الكرم والإيثار والتضامن والتآزر، وهي مزية تشبعوها في سلوكاتهم اليومية بأشكال ومظاهر مختلفة كالإحتفالات (الأعراس، والأنشطة الدينية...)، والأنشطة الاقتصادية(التويزة...)، والرعاية الجماعية لدور القرآن والعلم والمساجد وغيرها من المظاهر التي تشبع بها الشعب المغربي منذ القدم إلى اليوم.
إن ما عشناه من أحداث عقب زلزال الحوز الذي هبّ المغاربة من أعلى سلطة في البلاد إلى عموم الشعب وفئاته يحرّك شعورا قويا بالفخر والإعتزاز بالإنتماء لهذا الوطن الذي حباه الله برعايته ومحتبه.
إن الألم يعتصرنا جميعا لحال من فقدوا ذويهم وفلذات أكبادهم، وهو ألم ممزوج بالإيمان أن من انتدبهم الله للشهادة من ذوينا في هذا المصاب تحملوا عنّا ما تحمّلته رواسي الأطلس عن باقي المغرب من طنجة إلى الكويرة، فمكانتهم عظيمة في أقدار الله وهم أحياء عنده يرزقون. وبحياتهم هذه انبعثت "تمغرابيت" فينا جميعا، وتحركت عاطفتنا للجبل وأهله وبقاء من سلم منهم على عهد الأجداد وإرثهم.
إن خطوة إعادة الإعمار التي أعلنت عنها المؤسسة الملكية تحت إشراف تقني وهندسي يأخذ بعين الإعتبار تراث المنطقة وهويتها العمرانية والثقافية مدعاة للفخر والإرتياح.
إن معمار الجبل يختلف عن تصميم السهول، بالإضافة إلى تراث منطقة الحوز. وفي هذا القطر يقع مسجد تينمل أو المسجد الأعظم الذي بني في القرن الثاني عشر ميلادي وبجواره يقع قبر مؤسس الدولة الموحدية المهدي بن تومرت. وغير بعيد عن بؤرة الزلزال العنيف توجد مدينة أغمات التاريخية، والتي كانت عاصمة سوس لعبد الله الإدريسي وهو أحد أبناء المولى إدريس الثاني سنة 828م بعد وفاة والده. ووصفها الجغرافيون العرب بقاعدة إدريسية مزدهرة خلال العصر الوسيط الأعلى، وقد كانت عاصمة المرابطين، ومنفى ملوك الطوائف بعد توحيد الأندلس من طرف المرابطين، وأبرزهم المعتمد ابن عباد ملك اشبيلية، وعبد الله بن بلقين ملك غرناطة، وبها يرقد جثمان المعتمد وزوجته اعتماد وابنه.
وعلى بعد كلومترات قليلية، وبقلب مراكش ينتصب جامع الكتبية أو صومعة الكتبية منذ سنة 1147 م، وقد ثم تشييدها على يد الخليفة عبد المومن بن علي الكومي الموحدي. وعلى الجانب الآخر من الأطلس يقع سور تارودانت التاريخي الذي يعد (الثالث عالميا بعد سور الصين العظيم وسور كومبالغار بالهند) والذي يعود للعهد المرابطي وفي بعض المراجع قبل الفتح الإسلامي حيث ثمت تقويته في عهد الدولة السعدية.
هذا غيض من فيض لبعض المآثر التاريخية التي بقيت صامدة بخصوصية ونسق وعمران مغربي نعتز به كجزء من حضارتنا وتاريخنا وأصالتنا التي لا مناص لنا من الحرص على الحفاظ عليها وتسليمها للأجيال القادمة. وذلك بتكاثف الجهود وتوحيد السواعد والآمال، فقوتنا تكمن في إحترام التعددية داخل الوحدة ، ودام الشعب المغربي كالجسد الواحد في السراء والضراء.
في هذا الإطار نوصي بتشجيع المقاولات المغربية التي تهتم بالعمران المغربي الأصيل، وإشراك الشباب في رحلة إعادة الإعمار بعيدا عن جشع الشركات الكبرى وحت الجميع على الإبداع والإبتكار داخل النسق العمراني المغربي الأصيل.
وفي الختام لا ننسى الإنسان، قوة المغرب ومفخرته وزينة عرشه وملكه، لابد من الإهتمام بالضحايا ومواساتهم، وإعانتهم على الوقوف من جديد والصمود أمام الأحزان وآلام الفقدان.