اليوم وبعد أن رحلت عنا إلى الأبد أيها العزيز الطيب، لن أخاطبك كمستشار ملكي ولا كمسؤول سياسي بل ولا حتى كفقيه قانوني. سأخاطب فيك الإنسان المجرد الذي عرفته وعاشرته قبل أن يقتنصه الوزير القوي ابن البلد إدريس البصري ليقذف به في دواليب الدولة.
لقد غادرتنا إلى دار الخلود مخلفا ألما قد يطول وجعه ليس فقط بالنسبة لأسرتك، بل ولكل أصدقْاْئك والمقربين منك. بموتك عزيزي فقدت الساحة السياسية والثقافية رمزا للنزاهة والمصداقية التي يجمع عليها كل من عاشرك عن قرب. ودعتنا على حين غرة وأنت في أوج عطاْئك كأحد أعمدة الفقه الدستوري المغربي. ولا أشك في كون تفانيك في العمل وفاء لبلدك وإخلاصا لملكك ولمن وضعوا فيك ثقتهم كان له كبير الأثر في نفسيتك، خصوصا وأنت في محيط لم يعتبرك فيه الجميع بالضرورة من أبناء الدار. فقبل كل شيء أنت صديق عزيز جمعتني بك لحظات بهيجة خصوصا حينما كنا ننشر صدفة مقالاتنا على صفحات الاتحاد الاشتراكي خلال عقد الثمانينيات.
لقد بدأت مشوارك السياسي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني حيث تقلدت منصب وزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان. ولربما لحداثة سنك آنذاك وقلة تجربتك هي التي جعلت الاستقلالي امحمد الخليفة ينفجر في وجهك مستعرضا عضلاته عند أول حضور لك بالبرلمان، ولو أن المقصود في اعتقادي لم يكن سوى الوزير ابن بلدتك. لا أذكر عزيزي أني رأيتك يوما متجهما او حتى عابسا أو متوترا. أكثر من هذا فقد كنت دوما صاحب نكتة حتى عندما تنتقد شخصا ما بلطف كما كان الأمر بخصوص إعلامي متميز طالما ردد سهوا أو جهلا جملة "القرن الثاني قبل الميلاد".
أذكر أيضا يوم نودي عليك لتقلد منصبك. اكتفيت بالقول إنك ذاهب للعاصمة دون أن تزيد كلمة ودعوتني لنتغدى بمطعم "ليهوديٌ" المجاور لسينما "لارك" فكان كذلك إلى أن أعلن خبر تعيينك في نشرة المساء. ومنذئذ انقطعت الصلة المباشرة بيننا إلا في ما نذر من مناسبات رسمية ظرفية.
أخي. الموت هو الحقيقة الواحدة التي لا يتنازع فيها إتنان. سأظل ممتنا لك على فضائل ما حييت. فقد عشت نزيها ومت شريفا وستظل نبراسا للكرامة والصفاء وتظل ذكراك في القلوب سراجا منيرا.
فكل العزاء لأبويك الكريمين وأبنائْك وسائر أسرتك.