الخبير محمد أحداف: الحكم الاستئنافي صحح مسار ملف اغتصاب طفلة تيفلت لكنه يفتقد للمنطق القانوني  

الخبير محمد أحداف: الحكم الاستئنافي صحح مسار ملف اغتصاب طفلة تيفلت لكنه يفتقد للمنطق القانوني   الخبير محمد أحداف
يرى د. محمد أحداف، الخبير في العلوم الجنائية، أن القرار الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط فيما يتعلق بقضية طفلة تيفلت أعاد عقارب العدالة إلى مجراها الطبيعي، لكنه هو الآخر حتى وإن صحح مسار القضية ونطق بعقوبات تناسب خطورة الفعل المرتكب في حق الضحية، فإنه يتسم ببعض جوانب انعدام المنطق القانوني بسبب التمييز بين الأظناء في العقوبة علما أنهم ارتكبوا نفس الفعل الجرمي. 
ودعا في حوار مع "
أنفاس بريس"، الى تفريد العقوبات المتعلقة بالجرائم الخطيرة على غرار الاعتداء الجنسي على الأطفال بحد واحد بما يعدم السلطة تقديرية للمحكمة لتفادي التضارب في الأحكام القضائية على غرار النظام الجنائي الأمريكي.
 
كيف تلقيت الحكم الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط  فيما يتعلق بقضية طفلة تيفلت، والذي خلف ارتياحا كبيرا بالنظر لكون الحكم الابتدائي كان غير منصف ولا يتناسب مع حجم الجرم  المرتكب ولا يحقق الردع ؟
القرار الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية يمكن من وجهة نظر إنصاف الضحية ومن زاوية خطورة الفعل المنسوب للمتهمين يمكن أن أقول أنه أعاد عقارب العدالة إلى مجراها الطبيعي وأنه أنصف الضحية، وأنه التصق بالتطبيق السليم للقانون استحضارا لكون الحكم الأول جانب الصواب فيما يتعلق بدواعي إنصاف الضحية وخطورة الفعل. ردود الفعل التي واكبت الحكم الأول جاءت من  خارج الطبقة القانونية ببلادنا وأتيح للمواطن العادي أن يعبر عن رأيه في عدالة بلده وأن يكون هناك اجماع على أن الحكم الابتدائي الذي أصدرته غرفة الجنايات الابتدائية جانب الصواب في تطبيق القانون من زاوية عدم تناسبية العقوبة مع خطورة الفعل بحيث نحن كمتخصصين في العلوم الجنائية دائما ما نركز على مبدأ التناسبية بين العقوبة والفعل، ولكن للأسف أن تمتيع المتهمين بظروف التخفيف فاق حدود الخيال، وهذا الأمر يمكن أن يقود الى فتح نقاش حول أداء العدالة الجنائية بوجه عام في بلادنا وفتح نقاش عام فيما يتعلق بخطورة العقوبة ذات الحدين.
 
هل صدر هذا القرار الاستئنافي بناء على التطبيق السليم للقانون أم أنه جاءت استجابة لحجم الضغط الكبير الذي مارسه الرأي العام، وهل من الضروري إثارة الضجة قبل تصويب الأحكام القضائية وإعادة الأمور إلى نصابها ؟
من وجهة نظري فالحكمين الابتدائي والاستئنافي مرعبين، والحكمين معا يعبران عن مصدر قلق بالغ فيما يتعلق بأداء العدالة الجنائية في بلادنا على النحو الآتي : الحكم الأول مصدر قلق بالغ للرأي العام الوطني، وللمهتمين والمتخصصين فيما يتعلق بالمبالغة بشكل غير مسبوق من طرف الهيئة التي أصدرت الحكم الابتدائي والتي بالغت في إطار سلطتها التقديرية وفي إطار تكوين القاضي الجنائي لقناعته بما يعرض عليه من أدلة وحجج، وما يتعلق بمختلف الظروف الاجتماعية للأظناء وغيرها من المعطيات التي تؤخذ بحسبان القاضي الجنائي من أجل تفريد العقوبة والتي قادت الهيئة الابتدائية الى تجنيح فعل يعتبر جناية وتم النزول عن الحد الأدنى للجناية خمس سنوات وتم الحكم فقط بعقوبة حبسية لا تتجاوز سنتين، وأعتقد أن الإفراط في تمتيع المتهمين والأظناء بظروف التخفيف رغم خطورة الفعل كان موضوع مساءلة الأمر الذي ولد لدينا نحن كمتخصصين أولا والمواطنين المغاربة كرأي عام ثانيا، نوعا من القلق وأحيانا وصل هذا القلق الى مستوى من الغضب، والقرار الثاني أيضا والذي يبدو ظاهريا أنه أعاد الاطمئنان الى المغاربة، بكون الأمر يتعلق بقرار ابتدائي تم الطعن فيه من طرف النيابة العامة واستأنف وأعيد نشره من جديد وتم تأييده فيما قضة من إدانة مع رفع العقوبة الى ما يتناسب وخطورة الفعل الذي يتابع من أجله الأظناء، ولكن هذا القرار حتى وإن أعاد الطمأنينة الى نفوس المغاربة والى الجمعيات والمهتمين بالفعل الحقوقي ورجال القانون والمحامون والجسم القضائي ككل والطبقة السياسية بكون العدالة موجودة من أجل الضرب بقوة في مواجهة كل من يهدد القيم المقدسة للمجتمع المغربي وكل من يرتكب أفعال أو جنايات تتسم بقدر من الخطورة، فإنه يثير تساؤلات مشروعة ويمكن أن تكون مصدر تخوف مشروع علما أن القرار الاستئنافي ربما أتى تحت ضغط شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وأيضا تحت ضغط الشارع حيث انبرى الكل للمطالبة بتصحيح ما يبدو أنه خطأ قضائي رغم أن الأمر يتعلق بحكم صادر عن محكمة من درجة أولى، ولذلك نحن جد متخوفون من تحول العدالة الى رهينة لغضب الشارع وللمؤثرين في الوسائط الاجتماعية..هذا تخوف مشروع وأعتقد أنه يجب تحصين العدالة لكي لا تنتج أحكاما تحت الطلب.
والنقطة الثانية التي تثير نوع من التخوف من القرار الذي يبدو أنه صحح مسار القضية ونطق بعقوبات تناسب خطورة الفعل المرتكب في حق الضحية وأن هذا القرار نفسه يبدو أنه يتسم ببعض جوانب انعدام المنطق القانوني، فالأمر يتعلق بثلاث أظناء تبادلوا عملية اغتصاب طفلة قاصر سنها لا يتجاوز 11 عاما ترتب عنه حمل، والقرار الذي أصدرته الهيأة الاستئنافية ميز في العقوبة بين ظنينين وحكم في حقهما بعشر سنوات سجنا نافذة لكل واحد منهما وقضت بعشرين سنة سجنا في حق المتهم الذي أتبتث التحليلات الجينية بأنه والد الطفل الذي نتج عن الاغتصاب، ولاحظ معي أنه تم تشديد العقوبة في حق هذا الأخير رغم كون الأظناء ارتكبوا نفس الأفعال، حيث متعت متهمين بظروف تخفيف غير منطقية، فكيف يستقيم القول أنهم ارتكبوا نفس الأفعال على مدار أشهر بتواطؤ وبتنسيق وبتخطيط منهم وتبادلوا الأفعال في نفس الوقت داخل نفس الغرفة، وقضت المحكمة في حق أحدهم بعشرين سنة فيما قضت في مواجهة الآخرين بعشر سنوات لكل منهما، وهذا التمييز غير قانوني على الإطلاق، فالتمييز مبني على نسبة الطفل لأحدهم، وهذا وفقا قناعتي الشخصية ليس مبررا لتشديد العقوبة في حق أحدهم وتخفيفها في مواجهة الآخرين، إذ كان من المفترض أن تكون العقوبة موحدة في حق الأظناء الثلاث.
 
ما حصل يدل على وجود مجتمع حي ويقظ، خاصة لما يتعلق الأمر بجرائم تمس فئة القاصرين، فهل من الضروري أن تتحرك المنظمات وأن تثار الضجة قبل تصويب المسار القضائي لقضايا معينة، وأين يكمن الخلل في نظرك ؟
إنه سؤال يعبر عن عمق فلسفي فيما يتصل بأزمة العدالة الجنائية ببلادنا وبأزمة العدالة الجنائية في جميع دول العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا، فالجميع متفق أن هناك أزمة عميقة تنخر العدالة الجنائية، والأزمة تتصل بالجواب القانوني والعلمي عن مشكلة الانحراف داخل المجتمع، وجوابا عن سؤالك : أين يكمن الخلل ؟ أقول إن الخلل الأول يكمن على صعيد التشريع لأننا تأخرنا كثيرا في ملاءمة نصوصنا مع متطلبات مسايرة ما وقع من تغييرات عميقة في بنية المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، أسريا وأخلاقيا، وغيرها من مظاهر التحولات العميقة التي يفترض أن النصوص القانونية يجب أن تواكبها في خط متوازي لضمان السيطرة عليها وتقديم أجوبة فعالة عن كل هذه المتغيرات وهو الأمر الذي لم يقع، نحن الآن نتحدث عن قانون جنائي عمره يتجاوز 60 سنة ويعود الى 1962، حيث وضع آنذاك ليقدم أجوبة تتعلق بمجتمع مغربي محافظ تعداد ساكنته لا يتجاوز ستة ملايين نسمة، ونحن اليوم بمطالبين من خلال نفس النصوص بتقديم أجوبة عن قضايا الانحراف والجريمة في مجتمع تعداد ساكنته 40 مليون نسمة تنخره البطالة وزنا المحارم والانحراف الاخلاقي والهدر المدرسي والفشل الاجتماعي وارتفاع نسب الطلاق..لقد تهاونا كثيرا في عملية تحديث وعصرنة القانون بما يتيح إمكانية مسايرة ما يقع في المجتمع من تغيير، وهنا لابد أن نذكر بمسؤولية الحكومة والدولة في وضع أسس سياسة جنائية عصرية مبنية على نتائج البحث العلمي من أجل أن نتمكن من صياغة نصوص قانونية ذات بعد حداثي كوني، حقوقي يقدم أجوبة لهذه القضايا.
والنقطة الثانية، وهي غالبا ما لا يتم الانتباه إليها على الإطلاق وهي أنه اذا قمنا باستبعاد عقوبة الاعدام وعقوبة المؤبد، وهذه العقوبات يطلق عليها في الفكر الجنائي العقوبات ذات الحد الواحد، لأن لها حدين ( عقوبة الإعدام وعقوبة المؤبد ) سوف نلاحظ أن كل العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي هي ذات حدين ونطلق عليها عقوبة الحدين، فهناك حد أدنى وحد أقصى، وتعطى فيها سلطة تقديرية للمحكمة وللسادة القضاة في أن يقوموا بتفريد العقوبة صعودا نحو الحد الأقصى ونزولا نحو الحد الأدنى بما يتلاءم وظروف وملابسات القضية والظروف الاقتصادية والاجتماعية للمتهمين والضحايا، وأعتقد أننا وصلنا الى الحد الذي يجب فيه أن نتبنى بعض المبادئ من الفكر الجنائي والأمريكي بالأساس والذي يفرد عقوبات ذات حد واحد لعدد من الجرائم الخطيرة بحيث لا نترك فيها أية سلطة تقديرية للمحكمة، وأعتقد أن عقوبات الاعتداء الجنسي على الأطفال، وعقوبات الاتجار في البشر تعد من العقوبات التي ينبغي أن لا نضع لها حدين بل حدا واحدا بما يعدم السلطة التقديرية للمحكمة في أن تصعد الى الحد الأقصى أو أن تنزل إلى الحد الأدنى كما وقع في هذه القضية، بحيث ترتب عن تمتيع المتهمين بظروف التخفيف تجنيح الجناية في شقها المتعلق بالعقوبة وتم النزول عن الحد الأدنى وحوكموا بسنتين كعقوبة حبسية.
والنقطة الثالثة ترتبط بإعادة النظر في عقوبات بعض الجرائم الخطيرة على غرار ما تم فيما يتعلق بالإتجار في البشر وجرائم الإرهاب، ومطلوب مراجعة العقوبات المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال في إطار تشديدها ولما لا جعلها عقوبات ذات حد واحد لمنع المحاكم من تفريد العقوبة والصعود أو النزول بين الحد الأقصى والحد الأدنى .
وكنقطة رابعة فيما يتعلق بمظاهر الخلل، فعلى الجهات المعنية بالأمر ضمان التكوين المستمر للسادة القضاة لكي ينتفعوا ويشربوا من مستجدات الفلسفة الجنائية والحقوقية على الصعيد الوطني وعلى الصعيد الدولي بما يجعلهم أكثر دراية بالمسؤوليات المنوطة بهم فيما يتعلق بمحاربة الجريمة وتقديم أجوبة مقنعة استنادا الى التطبيق المنصف والعادل للنص القانوني .