الصديق معنينو: خلايا ثورية

الصديق معنينو: خلايا ثورية الصديق معنينو
اعتاد المغاربة في القرن الماضي، الاحتفال بعيد العرش يوم 3 مارس من كل سنة... وبالمناسبة كان الحسن الثاني يُلقى خطابا يستعرض فيه منجزات القطاعات الأساسية... كان الخطاب يُسجل يوما قبل بثه وعادة ما كان طويلا يفوق الساعة.... كان الحسن الثاني يتضايق من طوله وأسلوبه لذلك كان يتوقف عدة مرات أثناء التسجيل.
طائرة في سماء القصر
 في مذكراتي حكيت بعض الطرائف التي كانت تشهدها مرحلة تسجيل الخطاب الملكي. وهو ما لم أتمكن من الحديث في شأنه في ذلك الزمان.
 أذكر أنه في إحدى المرات وأثناء التسجيل الذي كان يحضره عدد من الوزراء والمستشارين، توقف الحسن الثاني فجأة وسأل ... هل تسمعون؟... ساد الصمت.. عاد الملك إلى السؤال وهو يشير بأصبعه إلى السماء... هل تسمعون؟» وأضاف.. هذا أزيز طائرة تحلق فوق القصر فعلا انتبه الحضور وظهرت علامات استغراب على الوجوه... قال الملك... «هذه طريقة كان الاستعمار الفرنسي يستعملها عندما كان سيدنا يقصد والده محمد الخامس - يُسجّل خطاباً للإذاعة... كانت رسالة المستعمرين واضحة.... نحن هنا، وطائرتنا فوق قصرك.. كانت عملية استفزازية، ورغم ذلك... كان سيدنا يقابلها بهدوء وإيمان".
 فوراً أصدر الملك تعليماته إلى الجنرال سكريج، الضابط المرافق وهو بالمناسبة طيار... قائلا.. «عليك أن تنبه مطار سلا، بضرورة تحويل اتجاه الطيران أثناء تسجيل الخطب".
أسلوب أندلسي
أذكر مرة أن الحسن الثاني توقف في بداية التسجيل... وسأل الحضور.. «من كتب هذه المقدمة؟..»
كانت العادة أن يتم تحرير الخطاب في الديوان الملكي اعتمادا على جذاذات تبعثها مختلف الوزارات والمصالح، وهو ما يكون صلب الخطاب المتضمن لعدد من الأرقام والإحصائيات، أما المقدمة فيقوم بإعدادها الوزير والفقيه الحاج امحمد ابا، حنيني بأسلوب أندلسي عتيق.. ما هو بالشعر وما هو بالنثر، بل يجمع بينهما مستعملا كلمات نادرة التداول....
 شعر الحسن الثاني، بأن هذا الأسلوب، صعب الفهم، وعديم الهضم، لذلك تساءل «من يكون المحرر ... وأضاف «إذا كنت لا أستوعب المعنى فما بالك بعموم المشاهدين.... ساد الصمت القاعة، فلا أحد يجرئ على ذكر اسم الفقيه نظرا لمكانته ونفوذه... لذلك عاد الملك للسؤال بطريقة فيها إلحاح... حين ذاك نطق أحد الحاضرين باسم محرر مقدمة الخطاب»... فابتسم الملك وتيقن أن رسالته ستصل إلى المعني بالأمر.
خطاب بالألوان
في فاس تقرر لأول مرة نقل الخطاب الملكي، في عيد العرش، بالألوان عوض الأبيض والأسود، الذي كان سائدا خلال العشر سنوات الأولى من تأسيس التلفزة المغربية... كان ذلك سنة 1973، حين استقدم مدير عام التلفزة المغربية فريقا من التلفزة الفرنسية بآلاته وتقنياته وكلفني بمرافقته إلى القصر الملكي لتسهيل مأموريته... كان الملك على علم بهذه المبادرة، لذلك أصدر تعليماته بمساعدة الفريق الفرنسي، والاستجابة فمتطلباته وهو يستعد لتحقيق قفزة نوعية في حياة بث الخطب الملكية....
قرر الحسن الثاني أن يتم التسجيل في مكان يدعى دار الفاسية وهي عبارة عن منزل مغربي تقليدي يوجد داخل القصر الملكي... فجأة أمر المخرج الفرنسي بإزالة طاولة كان الملك يضعها قبالته فوقها جهاز تلفاز، يراقب من خلاله اللقطات التي يأخذها المخرج ... أمر كذلك بإزالة نافورة «خصة» توجد وسط قباء الدار... اندهشت لهذين المطلبين، لكني لم أتدخل خاصة عندما استجاب قائد المشور فأزال الطاولة والتلفاز وأمر أحد الخدام بإزالة النافورة... فورا رددت جدران المنزل صدى ضربات المطرقة الحديدية...
القيلولة
فجأة سمعنا شخصاً ورأيناه يطل من «الدربوز»، مرتديا لباس النوم وهو يصيح... «ماذا تفعلون؟ أوقفوا هذه المصيبة؟ أوقفوا هذا الصداع؟» كان الحسن الثاني متوترا يشير بيديه وفهمنا أننا أيقضناه من القيلولة.... فر العامل الذي كلف بإزالة النافورة، واضطرب قائد المشور واندهش الفرنسيون... أما أنا فقد اختبات وراء سارية.....
بسرعة أعيدت الطاولة والتلفاز، وتم تجفيف بقايا الضربات الأولى في قاعدة النافورة... وانتظرنا مفزوعين... في الوقت المحدد ظهر الحسن الثاني حيث قدم له فنجان قهوة، ثم شرع في التدخين وهو في حديث مع مساعديه... تقدم المخرج الفرنسي، محاولا الحديث معه... انحنى أمام الملك وقال له «يا صاحب الجلالة».. فوراً قاطعه الملك.. قم بعملك وأنا أقوم بعملي وانتهى الحوار ، ولم يكن أي رد فعل والحمد لله.
هجوم مسلح في ذلك اليوم يوم 3 مارس 1973 سيقع هجوم مسلح على منطقة في الأطلس من طرف مجموعة مسلحة قادمة من الجزائر مكونة من عناصر مغربية جاءت للثورة في الجبال بينما وضعت خلايا ثورية قنابل في عدد من المدن.. تلك حكاية قدمت تفاصيلها في مذكراتي «أيام زمان» المكونة من ستة أجزاء.